الطعن «ارهاب».. وقذف «الحجارة» أيضاً!

هي الولايات المتحدة الاميركية التي لا تتغير سياساتها العدوانية, هكذا كانت يوم «تأسست واقام «المهاجرون» دولتهم على جماجم الهنود الحمر واستوطنوا ارضهم ومحوا تاريخهم، وهي ستبقى متمسكة بـ «القِيَم» التي تجمعها باسرائيل، الدولة «التوأم» في سيناريو التأسيس والإشهار والعدوان. دولتا مهاجرين تجمعوا من كل انحاء العالم وانتحلوا صفة»الشعب» ودشنوا سردية وتاريخ, وباتت لكل منهما «روايته»، فهم الاكثر حضارة وعلماً واخلاقاً , وهما في الآن نفسه «استثناء» في الكون ومنارة إشعاع. فالأولى التي هي الأقوى والاكثر عدوانية وبطشاً وانتهاكاً فظاً للقانون الدولي, اخذت على عاتقها مهمة إدخال الدول المتخلفة في دائرة الحضارة وإلحاقها بمنظومة الدول الديمقراطية وخصوصاً في تبني المُثُل وقيم «الأمة» الاميركية، ولا يهم ما اذا كانت الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت القنبلة النووية بعد ان استسلم عدوها الياباني، لكن هاري ترومان اراد «تجربة» هذا الاختراع الشيطاني ولا همّ لديه ان كان عدد الضحايا سيتجاوز نصف الميون انسان، فالحرب هي الحرب، ما بالك ان الأمة الاميركية لا تُتقن سوى التخاطب بالرصاص والسموم القاتلة والمتفجرات وتجارة الاسلحة وغسيل الأموال ودعم الديكتاتوريات والفاسدين في العالم..
اسرائيل هي النسخة «الشرعية» من الأصل الأميركي البشع، ولهذا لم تجد الدولة الصهيونية راعياً مُخلصاً وداعماً اكيداً ومُحتضِناً مُتحضِراً من بين القوى الاستعمارية, قديمها التقليدي مثل بريطانيا وفرنسا ,سوى «جديدها» الامبريالي الاميركي, الذي اسبغ عليها حمايته ومنحها الضوء الأخضر تلو الآخر، كي تشن الحروب وتفتك بالشعوب العربية وتطمس على الحقوق الفلسطينية وتعربد وتقتل وتستبيح وتستعرض ما شاءت ومتى ارادت... قوتها وتُجرّب احدث الاسلحة التي تمدها بها الدولة الأعظم في عصرنا، ودائماً في جعل الساحات العربية ميادين تدريب بالذخيرة الحية، ووفرت لها على الدوام الحماية في الأمم المتحدة عبر استخدام الفيتو والدعم الدبلوماسي عبر ترديد المقولة المتهافتة والقذرة والتي تكشف ضمن امور اخرى مدى وقاحة وصلف وغطرسة اليانكي الاميركي عندما يقول قادتها ومن ينطق باسمهم ان من «حق» اسرائيل ان تدافع عن نفسها (..) والدفاع عن النفس طبعاً يكون بشن الحروب والاعدامات الميدانية والاجتياحات والعقاب الجماعي واغلاق الحدود واماكن العبادة وغيرها من مقارفات النازية والفاشية التي تنجح اسرائيل على الدوام في التفوق عليهما.
جديد ادارة اوباما التي توشك ان تتحول الى بطة عرجاء وقبل اسابيع قليلة من القمة التي ستجمع نتنياهو باوباما، هي اعتبارها عمليات «الطعن» بالسكاكين التي يقوم بها شبان فلسطينيون ضد جنود الاحتلال والمستوطنين اعمالاً ارهابية , ما يمنح اسرائيل مظلة حماية اميركية سياسية ودبلوماسية ويُسوِغ لها اعمالها الاجرامية، ويُعفيها من مسؤولية وصول الأمور في فلسطين المحتلة الى مرحلة ما قبل الانفجار، بعد ان سقطت الرهانات السياسية والدبلوماسية التي طالما تمسك بها رئيس السلطة محمود عباس، وبعد ان حسمت ادارة اوباما خياراتها، باغلاق باب التفاؤل اوحتى مجرد التلويح بامكانية تحركها قبل انتهاء ولايتها باتجاه «إحياء» عملية السلام , التي يُدرك الجميع انها لفظت انفاسها وان احتمال احيائها لا تتجاوز نسبة الصفر المكرر، وقد استشف الجميع ذلك في الاهمال المقصود للصراع الفلسطيني الاسرائيلي في خطاب اوباما الاخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
واشنطن مُنسجمة مع نفسها ومع «تاريخها» ولم تحاول اللجوء الى الغموض او امساك العصا من منتصفها، فمقاومة الشعب الفلسطيني بأي صورة من الصور هو ارهاب موصوف في رأيها، وحق اسرائيل في الدفاع عن أمنها وحياة شعبها مضمون» ولهذا سمّى المتحدث باسم الخارجية الاميركية جون كيربي الاشياء باسمائها ومصطلحاتها وفق القاموس الاميركي المعروف، الذي يلتقي مع القاموس الصهيوني بل يغرف منه ويتعلم المزيد , ولا داعي للوقوع في أفخاخ الأوهام والاحلام السقيمة التي ما تزال تراود أهل سلطة رام الله او اولئك الذين يلوذون بواشنطن الان سائلينها الحماية والعون، بعد ان انخرط الروس مباشرة وعميقاً في الازمة السورية وقاموا بخلط الاوراق ونسف الخطط التي كانت مصحوبة بأجندة زمنية تلحظ «ابتلاع حلب» والإطباق على دمشق ووضع اللاذقية وطرطوس تحت مرمى الكاتيوشا والهاونات الثقيلة.
تُكمل واشنطن «معروفها» لو أنها تستصدر قراراً من مجلس الأمن يعتبر قذف الحجارة كما الطعن بالسكاكين اعمالاً ارهابية ,حتى يمكن للفلسطينيين استدراك انفسهم وان يتوقفوا عن مقارفاتهم قبل ان يوضعوا على قائمة «الشعوب «الارهابية او يتم اتهامهم بدعم داعش.
*استدراك:يقول دينيس روس,اليهودي الاميركي ومبعوث الادارتين الجمهورية والديمقراطية لعملية السلام,ويستعد الان لاصدار كتاب جديد عن «العملية» :لا اعتقد ان هناك أهم من ان تكون اسرائيل «قضية اميركية»وليس جمهورية أو ديمقراطية.
هل يرتاح الان المهرولون وراء الوهم الاميركي؟
(الرأي 2015-10-12)