على هامش "استجرار" الكهرباء

في الأخبار أن مواطنا أردنيا فُصل عن منزله في العقبة التيار الكهربائي بعد أن لم يتمكن من تسديد الفواتير، فقام بسحب خط كهرباء من الصندوق الرئيس للعمارة، فاتهم بجرم "استجرار الطاقة الكهربائية بطرق غير مشروعة"، وحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر، وتغريمه دفع الرسوم المقررة على هذا الجرم.
إنفاذ القانون مسألة ليست محل نقاش. لكن تطبيق القانون يجب أن يشمل الجميع. وحبذا لو طالت ذراع العدالة كل من يتعدى على حقوق الغير، لاسيما أولئك الذين امتدت أيديهم إلى المال العام في غفلة من الرقابة. فخبر كهذا يقضي بأن تكون حقوق الدولة وخزينتها ومواطنيها قد استُوفيت في أماكن أكثر خطورة، لكننا نرى مماطلة وتسويفا في قضايا كبرى، بلغت المطالبات فيها مئات ملايين الدنانير؛ إذ تأخذ عمليات التفاوض بموجب قانون الجرائم الاقتصادية شكلا ومسارا ثقيلين للغاية، بخلاف جريمة استجرار الطاقة الكهربائية السابقة.
بعيدا عن الأسئلة التي تتناول اليوم تأخير نشر التقرير السنوي لهيئة مكافحة الفساد أمام الرأي العام حتى يوم أمس، فإن التقرير الذي يتحدث عن جهود الهيئة مع مؤسسات أخرى في العام 2014، قد انتهى إلى استرداد نحو 17 مليون دينار، إضافة إلى قطع أراض بمساحة 65 دونما، وبقيمة 825 ألف دينار. وكانت الهيئة قد استردت في العام 2013 حقوقا بمبلغ 25 مليون دينار، وهنا بيت القصيد. فهل خبا الفساد في البلاد إلى درجة يتراجع فيها استرداد الأموال والحقوق بنسبة 32 % بين العامين الماضيين؟!
للتذكير، لم يكن الرأي العام على اطلاع كاف بما آلت إليه قضايا "الفوسفات" و"موارد" وتبعات الخصخصة وسواها من قضايا أثيرت إبان احتجاجات السنوات الأربع الماضية. إذ ملأت الحناجر سماء عمان ومحافظات أخرى بالصوت المطالب بكف أيدي الفاسدين عن المال العام وخزينة الدولة. لكن ذاك الصوت بدأ يخبو منذ نحو عام، ما دفع إلى استرخاء الدولة ورمي ذاكرة الاحتجاج خلفها، وصولا إلى تراجع الواقع المتعلق بالتضييق على الفساد إلى أدنى مستوى. بل إن ثمة تسويات تتم في الخفاء، لم يعد الرأي العام على صلة بها. وللأسف، فإن بعض هذه التسويات يتم بشأن قضايا بملايين الدنانير، ولا يوجد فيها سرعة في التحصيل أو الحسم كتلك القضية التي أتت على سارق خط الكهرباء في العقبة.
لعل جريمة استجرار الكهرباء تستدعي سؤالا أكثر عمقا، عن استجرار المديونية وإيصالها إلى ما يتجاوز 30 مليار دولار؟!
بقي أن نقول: إن تراجع تصنيف الأردن ضمن مؤشر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية العام الماضي لم يأت من فراغ، فهناك خمس دول تتقدم على الأردن في هذا المؤشر، هي قطر والامارات والبحرين وسلطنة عمان والكويت. أما الدول العربية التي جاءت خلف الاردن في التصنيف، فهي نماذج للضعف والفشل والفساد في السنوات الأخيرة، منها سورية ومصر وليبيا والعراق واليمن. وبحسب منظمة الشفافية، فإن القضاء على الفساد يستلزم برلمانا قويا وقضاء صارما وأجساما رقابية حقيقية وإعلاما قويا فاعلا، وهو ما لم يتبلور بعد في معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها.
(الغد 2015-10-13)