عندما تحاور الأنظمة «ذاتها»..السودان مثالاً!

تم نشره الخميس 15 تشرين الأوّل / أكتوبر 2015 12:40 صباحاً
عندما تحاور الأنظمة «ذاتها»..السودان مثالاً!
محمد خروب

بالطبع، ليس السودان وحده في دائرة الضوء او على خط الأزمات الداخلية المُستفحِلة. وبخاصة في طبيعة العلاقة التي تربط اي نظام عربي بالمعارضة الداخلية على انواعها ومرجعياتها وبرامجها (ان كان ثمة برامج او رؤى لدى غالبيتها) وخصوصاً ما يتم تصنيفه من تلك المعارضات تحت رايات التطرف اليميني او اليساري او الاعتدال او ما ينتمي لحركات الاسلام السياسي، الدعوي منها وذلك الجهادي التكفيري الذي يحلو له ان يصف نفسه بـ»الفرقة الناجية» وغيرها من التسميات والنعوت والأوصاف التي يخلعونها على أنفسهم ولأنفسهم، في احتكار موصوف للايمان ودائماً في وضع انفسهم على منصة القاضي الذي ينطق بالحكم على جموع الكفرة والمرتدين والنصارى الذين يتوجب عليهم دفع الجزية، هذا اذا لم يُطلب من الذين ينطقون الشهادتين ان يُسْلِموا مجدداً أو ان يعودوا للاسلام «الحقيقي» لأن اسلامهم، قبل وصول داعش والنصرة وغيرهم ممَن اخترع الاميركيون، منقوص ولا يُطابق دفتر «شروط اسلام» داعش.

ما علينا..

قلنا السودان، لأن ذلك البلد العربي الذي كان ذات يوم يوصف بأنه سلّة غذاء العرب، بدأ منذ ايام مسيرة حوار وطني دعا اليه الرئيس عمر البشير وقاطعته المعارضة المدنية والمُسلّحة على حد سواء، ولم تشارك فيه غير «عشرات» الاحزاب الصغيرة ومعظمها موالٍ للسلطة، فضلاً عن حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الشيخ حسن الترابي, شريك البشير السابق في انقلاب 30 حزيران 1989، الذي وصفه «صاحباه» بأنه «ثورة إنقاذ» قبل أن تُفرِّق بينهما الخلافات وتعصف بهما الانانية وحب الذات، ودائماً في حياكة المؤامرات المُتبادَلة الهادفة للتخلص من شريك لم تعد لشراكته اهمية.. كذلك، شارك جناح منشق عن الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني (وهذا الجناح المنشق مُشارك في حكومة البشير الحالية, ما ينفي عنه اصلاً صفة المعارضة حيث ينحصر مفهوم المعارضة في مَنْ هو خارج السلطة ويرفض برنامج الحزب الحاكم بافتراض وجود «شيء» اسمه الحزب الحاكم اصلاً في بلاد العرب) ولأن الحوار الدائر الان في السودان مرشح للاستمرار ـ كما هو مخطط له ـ لثلاثة اشهر مقبلات, فإن غياب المعارضات ذات الثقل والنفوذ والتاثير وبخاصة تلك المُسلحة، يجعل من الحوار الحالي، مجرد ثرثرة في الوقت الضائع، لأن لا خلافات جدّية بين المتحاورين (الحاليين) وانتظار مُشاركة الآخرين سواء قادة الاحزاب المدنية ام الذين يقارعون الدولة في ميادين المعارك في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق، ليست هي الاخرى سوى انتظار سيطول على طريقة صاحبنا الذي ما يزال ينتظر «غودو».

هنا أيضاً تبدو «مشروعات» الحوارات الوطنية المطروحة في معظم بلاد العرب.. مجرد هروب الى الأمام من قبل الانظمة, كما من جهة المعارضات، وإن بنسبة أقل تربصاً, على النحو الذي تُمارسه معظم الانظمة، والتي ترغب في استخدام الحوار «الوطني» وسيلة لتسويق نفسها وتنفيس الاحتقانات وترحيل الازمات وعدم الالتزام الجاد بما تنتهي اليه جلسات الحوار من نتائج او توصيات او اشارات او اوراق عمل مطروحة للاستكمال عبر الاضافة او الحذف.

تجربة الحوارات الوطنية العربية، اثبتت أنها فاشلة وعقيمة وغير جادة تُوظِفها الأنظمة للهرب من التزاماتها وشراء الوقت لاضعاف المعارضات وتشجيع بعض قادتها على الانشقاق، فيما تتمسك بعض المعارضات بشعار الحوارات كي تُعفي نفسها من مسؤولية ضعف برامجها وعزوف الجمهور عنها وعدم اقدامها على مراجعة خطابها وتجديد بناها واستعادة ثقة «الشعب» بها.

وحدهم سياسيو تونس ونخبها, هم الذين ابدوا حِسّاً وطنياً عالياً وارتضوا الحوار وسيلة وحيدة لمنع انهيار بلدهم، وكان ان توافقوا ولم تكن صدفة ان اللجنة الرباعية للحوار الوطني, فازت بجائزة نوبل للسلام هذا العام.. وفي ذلك عبرة لمن يريد ان يتعلم ابجديات الحوار «الوطني»...واستحقاقاته.

(الرأي 2015-10-15)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات