أين العدل؟!

رسالة جاءتني من أستاذ جامعي متقاعد، تتضمن هموماً يومية مرتبطة بالتعامل مع الحكومة والدوائر الرسمية والشركات. وهي وإن كانت في نظر البعض هموما جزئية وصغيرة، إلاّ أنّها تتناول تفاصيل دقيقة تتراكم لتبني صورة ذهنية ونفسية عن علاقة المواطن بحكومته والشركات الكبرى المتعلقة بالخدمات، إما إيجاباً أو سلباً.
مهما كانت صغيرة أو جزئية تلك القضايا، تبقى حقوقاً، وتدخل في صميم مفهوم المواطنة. وملاحقتها -برأيي- أمر في غاية الأهمية، من أجل علاقة سليمة صحيّة تقوم على مفاهيم الحاكمية الرشيدة، ومفاهيم واضحة لدى الجميع؛ مسؤولين في القطاعين العام والخاص، ومواطنين.
أترككم مع مقتطفات من الرسالة التي اختصرتها لعامل المساحة المخصصة للمقال:
"أنا رجل مضى من عمري خمسة وسبعون عاماً. قضيت عمري مغترباً، ثم درّست عشر سنوات في إحدى الجامعات الأهلية، ولم أشمل بالضمان الاجتماعي بسبب أني بلغت الستين ولم أتم وقتئذ خمس سنوات عمل في الجامعة. ولا يوجد عندي دخل ثابت ولا تأمين صحي (لقد ألغيته بسبب أنني في كل مرة أزور أربعة مراكز صحية آخرها مستشفى الأمير حمزة، وأدفع رسوماً في كل مركز وأنتظر ساعاتٍ طويلة، وفي المحطة الأخيرة يقال لي: نأسف فالقطرة غير متوفرة فأعود وأشتريها من الصيدليات الأهلية).
"وتأتي فاتورة الكهرباء لتزيد الطين بلة. الفاتورة رقم (...) تتحدث عن قراءة عداد الكهرباء الخاص بي بتاريخ 8/ 10/ 2015، القراءة السابقة 47947 ك. و. س. ويأتي قسم المحاسبة في دائرة الكهرباء ويزيد على الفاتورة 21 ك. و. س. تحت اسم "القراءة المحتسبة"، وليدخلني في الفئة الخامسة بدل الرابعة. وكما هو واضح، فسعر الكيلو واط من الفئة الرابعة هو 114 فلسا، بينما سعر الكيلو واط للفئة الخامسة هو 163 فلسا. فبدل أن أدفع 597 ضرب 114 فلسا؛ أي 68058 فلسا، فإنني دفعت 618 ضرب 163 فلسا، أي 100734 فلسا، مع الأخذ بعين الاعتبار الدعم الحكومي للفاتورة.
"سألت قسم المحاسبة، فكان الجواب المثير للاستغراب والعجب! إذ قالت المحاسبة: إن قسم الفوترة يزيد عددا من الكيلوواطات "احتياطاً"، في حال قرئ العداد قبل الموعد المحدد للقراءة.
السؤال: لماذا يُقرأ العداد قبل الموعد؟ وأيضا، إذا قرئ العداد بتاريخ 8/ 10 وكانت الكمية المستهلكة هي 597 كيلواط، فمن المؤكد أنه لو قرئ بتاريخ 12/ 10 فسيزيد الاستهلاك عن 600 كيلواط، وستدخل فاتورتي أتوماتيكياً ضمن الفئة الخامسة، وهي التي تزيد 49 فلساً للكيلواط عن الفئة الرابعة. والسؤال الثاني: لماذا يزيدون 3 أو 4 كيلواط لأدخل في الفئة الخامسة؟ والسؤال الثالث: أين العدل؟
"الموضوع الثاني- دائرة السير: إذ أوقفت ذات مرة سيارتي بباب مكتب تحصيل فواتير التلفونات الأرضية قرب جسر صويلح. وبعد ربع ساعة، خرجت فوجدت مخالفة على زجاج السيارة. ذهبت إلى الضابط وسلمت وقلت: ممكن تفهّمني سبب المخالفة حتى لا أكررها؟، فطلب الضابط من الشرطي أن يذهب معي، وعاد وقال للضابط: يوجد قبل السيارة بحوالي خمسين متراً عامود وعليه لوحة صغيرة مكتوب عليها للتحميل والتنزيل فقط، ولكنها مغطاة بالكامل بصورة أحد النواب في البرلمان. فنظر إليّ الضابط، وقال: والله معك حق. فقلت: ممكن تكتب لي على المخالفة: معاي حق!
راجعت دائرة السير في سقف السيل، وكان يوم خميس، وكنت حريصاً على دفع المخالفة قبل السفر. فذهبت إلى وادي السير، فلم أهتد. ثم ذهبت إلى شفا بدران وشكوت لهم فقال الضابط: معاك حق، إما أن تدفع أو تقدم شكوى في إدارة السير الرئيسة. فدفعت مكرهاً ومرغماً وسافرت. ولو كنت مكان النائب لطالبت دائرة السير والخزينة بنصف المبالغ التي تم تحصيلها بسبب صورته"!
(الغد 2015-10-16)