دراسة أردنية تحذر من مخاطر ارتفاع نسب الرصاص في الدهانات

المدينة نيوز :ـ كشفت دراسة متخصصة عن ارتفاع معدلات نسب الرصاص في عينات عشوائية، لدهانات الديكور المنزلي الخارجي والداخلي، الى أكثر من 600 ملغم/ كغم، بما يخالف المواصفة القياسية الأردنية التي حددتها بأقل من تلك المعدلات.
وأظهرت عينات لـ17 منتجا من 16 شركة دهان محلية، قامت جمعية الأرض والإنسان لدعم التنمية بجمعها وتحليلها، "ارتفاعا في نسب الرصاص، ما يستدعي ضرورة وضع تشريع من قبل وزارة الصحة، يحد من استخدام الرصاص أو إحدى مركباته في الدهانات"، بحسب ما تقول الجمعية.
كما طالبت الجمعية بـ"منع استيراد أي من الدهانات التي تحتوي على الرصاص ومركباته حماية للأطفال دون سن السادسة الأكثر عرضة وتأثرا بنتائج هذه المركبات".
ولا تشكل دهانات المنازل خطرا على صحة الاطفال وباقي أفراد الأسرة، ما دام مخزنا في أوعيته، وفق الدراسة، التي تقول "ان هذه الدهانات وبمرور الوقت ونتيجة عوامل الطقس والمناخ تتحول الى رقائق يتراكم خلالها الرصاص الذي كان أحد مكونات الدهان داخل المنزل، على شكل أغبرة وفي التربة خارج المنزل"، مشيرة إلى أن الأغبرة "الناتجة عن حف الجدران لإعادة دهانها تحتوي على الرصاص".
ووفق ما جاء في الدراسة، فإن أغبرة الرصاص تعلق بأيدي الطفل اثناء اللعب، ويمكن ان تتسرب الى جوفه بواسطة يديه عند تناول الطعام، مشيرة إلى أن رقائق الدهان المتقشر "أكثر اذى لأن تركيز الرصاص فيها اعلى منه في الأغبره المنزلية والتربة".
وطالب رئيس الجمعية زياد علاونة بتضافر الجهود الوطنية للتعامل مع الرصاص الذي يعد مكونا اساسيا في الأجهزة الخلوية وشبكاتها، والبطاريات بأنواعها التي تعرف اليوم بـ"النفايات الالكترونية"، والتي صنفتها وزارة البيئة على أنها "نفايات خطرة"، وتخضع لاتفاقية بازل للنفايات الخطرة التي يعتبر الاردن طرفا موقعا ومصادقا عليها.
إلا أن رئيسة قسم الدراسات والاستشارات الفنية في مؤسسة المواصفات والمقاييس اسماء الأزايدة، أكدت لـ "الغد" أن "هناك رقابة مستمرة من قبل المؤسسة على الاسواق المحلية" ويتم مسحها من قبل الكوادر المتخصصة.
وأشارت الأزايدة الى هذه المسوحات "اظهرت عدم وجود أية مخالفات او تجاوزات في نسب الرصاص في الدهانات التي تباع محليا خلال العام الحالي".
ولفتت إلى أنه تم تعديل المواصفة القياسية المتعلقة بدهانات "الامنشن" خلال العام 2010، حيث "تم اشتراط عدم استخدام مركبات الرصاص كمدخلات اولية او اضافتها بشكل مباشر في عملية التصنيع" بينما يسمح بتواجدها كشوائب او ملوثات بحيث لا يزيد محتوى الرصاص على 0.06 غم/ كغم ، وفقاً للغد .
وقد سمح كتاب وزير الصحة (ص ب/وص/29/1163) بتاريخ 19 حزيران (يونيو) 2012، "باستخدام مركبات الرصاص في مجال تصنيع دهانات السيارات والطرق والدهانات الصناعية الاخرى لغاية نهاية عام 2012 لحين توفير البدائل في السوق العالمي وبشكل تجاري".
وأكدت الازايدة أن ما يتم استيراده من دهانات يتم فحصه من قبل مختبرات الجمعية العلمية الملكية بالتنسيق مع دائرة الجمارك، التي اكدت بدورها "انه لم يتم ضبط أي عينات مخالفة من الدهانات خلال العام الحالي".
ووفق دراسة الجمعية، فـ"إن الرصاص يترك اثرا مزمنا يصاحب المصاب طيلة عمره ولا يمكن علاجه وهذا يعني كلفة اقتصاديه للعلاج وتدنيا في الانتاجية الاقتصادية والاجتماعية للفرد"، كما يترك آثارا نفسية على اهل المصاب، فضلا عن إصابة المتسمم بالرصاص بما يوصف بـ "النشاط والحركة الزائدة وتطور ذلك الى سلوك عدواني وعنف، وضعف التركيز والانتباه مع صعوبات في التعلم والحفظ والتذكر، وضعف في القدرة على حل المشكلات وإنجاز الاعمال".
ويبلغ عدد مصانع الدهانات في الأردن، التي تم الكشف عليها من قبل وزارة الصحة منذ العام 2008 وحتى منتصف العام 2012 نحو 78 مصنعا، وعدد الشركات المستوردة للدهانات 41 شركة.
وبلغت العينات التي تم فحصها من الدهانات 197، لم ينجح منها إلا 8 عينات، ما يعني أن الوزارة قامت بإجراءات الرقابة للوقوف على واقع هذه الصناعات ومدى استخدامها للرصاص او إحدى مركباته في الدهانات، لكن "لم تتم متابعته لإصدار تشريع ينظم تصنيع وتصدير وتخزين ونقل الدهانات والمواد الداخله في تصنيعها"، وفق العلاونة.
وحذر العلاونة من أن الاطفال الذين يعانون من نقص التغذية، لديهم استعداد أكثر "لامتصاص الرصاص بسرعة اعلى، كما ان تأثيراته لا يمكن الشفاء منها ويستمر اثرها مدى الحياة"، وكلما كان الطفل اصغر عمرا كان الأثر اكبر"، لافتا الى ان الجنين في بطن امه هو الأكثر تأثرا "لأن الأم تنقل الرصاص المتراكم في جسمها الى جنينها".
ويعزو خبراء تأثر الاطفال حيويا للرصاص أكثر من البالغين لعدة اسباب، منها "تداخل الرصاص مع عملية نمو الدماغ لدى الطفل، كما ان التعرض المبكر لهذه المادة قد يعيد برمجة عمل الجينات"، إضافة إلى أن معدل امتصاصها عال جدا لدى الاطفال حيث يتم امتصاص اكثر من 50 % من الداخل الى المعدة مقارنة مع 10 % عند البالغين.
ونظرا لوجود ادلة تثبت انخفاض الذكاء لدى الاطفال المعرضين للرصاص، فقد ادرجت منظمة الصحة العالمية الرصاص على "انه مرض يسبب التخلف العقلي وواحد من بين اعلى عشرة امراض معروف بأثره الصحي على الاطفال ناجم عن عوامل بيئية معدلة".
وكان المؤتمر العالمي للكيماويات للعام 2009 (سايكوم) أقر بالإجماع اعتبار الرصاص في الدهانات قضية عالمية ذات اولوية تستحق الاهتمام، ما حدا فيما بعد برنامج الامم المتحدة للبيئة، ومنظمة الصحة العالمية الى إطلاق مبادرة "الشراكة العالمية للتخلص من مركبات الرصاص في الدهانات" بغية حماية الصحة العامة والبيئة والأطفال من تأثيرات مركبات الرصاص كونها مصدرا مهما لتسمم الأطفال.
وتقوم وزارة الصحة منذ العام 2008 بتنفيذ حملة رقابة على قطاع الدهانات المستوردة والمصنعة محليا للتحقق من مدى التزامها بقرار وزير الصحة الصادر في الجريدة الرسمية رقم 4717 تاريخ 18 آب (أغسطس) 2005، فيما يختص بمنع استخدام مركبات الرصاص في الدهانات المنزلية، لما لمركبات الرصاص من خطر على الصحة وخاصة الأطفال.
إلا انه تم استثناء دهانات الطرق والسيارات مؤقتا حتى نهاية العام 2012 بقرار من وزير الصحة في منتصف حزيران (يونيو) 2008، لحين توفر بدائل في السوق المحلي، على ان تقوم المصانع المحلية بوضع العبارات التحذيرية على عبوات دهانات الطرق والسيارات والدهانات الصناعية، وهو الامر الذي لم يشاهد على العبوات التي تم شراؤها لغايات فحصها وتحليلها وخاصة تلك التي احتوت على كميات تتجاوز المسموح بها بموجب المواصفات القياسية .