هل الطريق إلى «جنيف 2» اليمني.. باتت سالكة؟

رغم التشدد الذي أبداه بعض المقربين من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي, إزاء الدعوة التي وجهها امين عام الامم المتحدة بان كي مون, عبر مبعوثه الخاص لليمن اسماعيل ولد الشيخ احمد, للمشاركة في جولة جديدة من المشاورات مع جماعة انصار الله (الحوثيون) والرئيس السابق علي عبد الله صالح لتنفيذ القرار 2216, فإن المشهد اليمني الراهن بات غير قابل للاستمرار في ابداء المزيد من الرفض والتشدد والذي تبديه حكومة خالد بحاح في هذا الشأن, بعد أن وصل الحل العسكري الى طريق مسدود ولم يعد بمقدور أحد من الطرفين حسم الأمور لصالحه, رغم الافرازات والنتائج المُدمِرة لهذه الحرب التي اوصلت اليمنيين الى حدود المجاعة والعطش والعوز وانهيار الخدمات والمرافق العامة وفقدان الوسائل الطبية وأدوات الاسعاف البسيطة, وانعدام مياه الشفة والاحتمالات الماثلة لانتشار الاوبئة والامراض الفتاكة, ناهيك عن الظهور العلني لتنظيم «القاعدة» في اكثر من محافظة في جنوب اليمن, وممارسة اساليب الابتزاز والقتل والتفجير, في سباق واضح بينه وبين داعش, الذي تبنّى تفجير مقر حكومة خالد بحاح في أحد فنادق عدن, ما اثار المخاوف الجديّة بدخول هذين التنظيمين على الازمة المتفاقمة وتَحكُمِهِما في مساراتها, فضلاً عما بات معروفاً في البلاد, وهو أن الحراك الجنوبي يُصرّ على الاستقلال أو الانفصال أو تقرير المصير (سمّه ما شئت), لِدخل اليمن في اتون انقسامات أفقية وعامودية, يصح القول عندها, أن الاطراف التي انخرطت في الحرب سواء قبل «ثورة» 21 ايلول 2014 (عندما اجتاح الحوثيون صنعاء) أم بعدها, في ما وصف بعاصفة الحزم, ستجد نفسها فعلاً في ورطة عميقة وصعبة, يستحيل عليها التوفيق بين كل هذه المتناقضات والاهداف المتضاربة والانقسامات غير المسبوقة (حتى إبان الثورة على نظام علي عبدالله صالح), ما بالك أن الحديث يدور الان عن جنيف 2 للبحث في امكانية تطبيق قرار مجلس الامن الدولي رقم 2216؟
ما علينا..
ليس من السهولة بمكان إنكار «الانجازات» الميدانية التي حققتها قوات التحالف ضد جماعة انصار الله والقوات المؤيدة للرئيس السابق صالح, بعد اجبارهم على الانكفاء من عدن ومعظم مناطق الجنوب اليمني, لكن يصح القول أيضاً أن هذه القوات (التحالف) باتت عاجزة عن اختراق جبهتي تعز والحديدة والتقدم - كما وعدت مراراً - نحو العاصمة صنعاء بل ثمة تبريرات صدرت عن اوساطها تقول: بأن الظروف (تقصد العسكرية) لم تنضج بعد لتحرير صنعاء، ما يعني ببساطة ان المشهد العسكري محكوم بالمراوحة واحتمالات «ثبات» خطوط التماس وبقاء المتحاربين في خنادق تلك المناطق، مع استمرار الضربات الجوية التي تبدو انها استنفدت هي الاخرى اغراضها, بعد ان «فَرَغَ» رصيد بنك الاهداف، ولم تكن الغارة التي قتلت اكثر من 30 جندياً من جنود الجيش الوطني (جيش هادي) يوم أمس, سوى احد تلك الأدلة على ان التعب قد أصاب الجميع وأن سبعة اشهر من الحرب باتت كافية للتحول نحو الحلول والمقاربات السياسية, لأن أحداً لن يخرج منتصراً من الحرب العبثية هذه، وأن لا سبيل للخروج من مسلسل القتل والدمار والخراب والفوضى, وإحباط تَحوّل داعش والقاعدة الى اكبر قوتين على الارض اليمنية، سوى الحوار عبر البحث عن مناخات واجواء لبناء الثقة وتجاوز بحور الدم وانعدام الثقة التي مزقت الوطن اليمني وحولت شعبه الى ضحايا.
اصرار حكومة بحاح على أن «لا» وجود بعد الان لما يسمى بالنقاط السبع، لن يُسهم في إنجاح الحوار وخصوصاً ان الحديث يدور عن أسس وثوابت لهذا الحوار, منها على سبيل المثال المبادرة الخليجية التي ظن كثيرون ان الزمن ووقائع الاحداث قد تجاوزتها, فإذا بها تُشكِل ضلعاً من مثلث مرتكزات, هي القرار 2216 ومُخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ما يعني ان المقصود في اعتماد هذه «الخلطة» غير المتجانسة, هو البحث عن «حلول وسط» تُرضي جميع الاطراف وتُقنع اليمنيين كافة بأن لا أحد قادراً على إلغاء الآخر او شطبه او إجلاسه في مقاعد الخاسرين وتحميله «وحده» أكلاف استحقاقات «الحروب» اليمنية والدمار الذي لحق بالوطن ومقدراته.
استئناف العملية السياسية في اليمن بات ضرورة وليس مجرد خيار, والإتكاء على انجازات عسكرية عابرة قد لا تدوم, في ظل لعبة الكر والفر التي تميزت الحرب اليمنية والاحتمالات الماثلة لدخول اطراف «خارجية» على خط الأزمة, وبخاصة في ظل حال «السيولة» وخلط الاوراق وانعدام اليقين وانهيار كثير من المعادلات والتحالفات الاقليمية والدولية, التي ظن كثيرون انها ثابتة او مرشحة للاستمرار، يجب ان تدفع باليمنيين كافة الى توسل اساليب واقعية وخصوصاً وطنية, لإخراج بلدهم وشعبهم من حال الفوضى والمجهول التي تنتظره، بعد ان تُرك اليمن لمصيره ولم يذرف أحد دمعة واحدة على ضحاياه والخراب الذي حل به.
فهل باتت طريق جنيف 2 اليمني... سالكة؟
.. الأيام ستُخبِرنا.
(الرأي 2015-10-19)