صدمة السلفيين!

تتمثّل "الصدمة" الكبيرة لكثير من المراقبين، في الانتخابات النيابية الأخيرة بمصر، في الخسارة المدوّية لحزب النور السلفي، الذي يمثّل الذراع السياسية للدعوة السلفية في الاسكندرية، وأحد أكبر ألوان الطيف السلفي في مصر.
إذ لم ينجح أحد حتى الآن من بين مرشحي الحزب السلفي؛ فمن 120 مرشحاً في دوائر المرحلة الأولى، لم يتمكن أي مرشح من الفوز في الجولة الأولى. بل وصل إلى الإعادة 24 مرشحاً فقط، وهم لا يحتلون مراكز متقدمة، ما يعني أن احتمالات فوزهم لن تكون كبيرة، بينما خرج الباقون من السباق من الجولة الأولى.
السلفيون -الذين صدموا العالم بنتائج الانتخابات النيابية المصرية بعد ثورة 25 يناير، فأحرز حزبهم الوليد "النور" المقعد الثاني في الانتخابات، وحصد 20 % من مقاعد مجلس الشعب حينها، وأصبحوا خلال أشهر قليلة لاعباً مؤثراً وفاعلاً في المشهد المصري لهم كلمتهم، ونجوماً في الإعلام وعلى الفضائيات- هم أنفسهم ذاقوا مرارة الصدمة-الهزيمة المدوية، التي طرحت تساؤلات بنيوية عن خسارتهم لقاعدتهم الانتخابية والشعبية بصورة كاملة!
هل هذه الانتخابات مؤشر واضح على تراجع التيار السلفي شعبياً، وضمور تأثيره الفكري والديني والسياسي، كما سارع إلى هذه النتيجة بعض الإعلاميين المصريين بعد الانتخابات مباشرة؟
ليس بالضرورة؛ فهناك ظروف موضوعية بالفعل مرتبطة بالانتخابات الراهنة، ساهمت في النتيجة الحالية، في مقدمتها الموقف الإعلامي من الحزب ومن تيارات الإسلام السياسي عموماً، بالرغم من أنّ الحزب وقف مع الانقلاب العسكري وأيّده. وهي الظروف التي يحرص قادة الدعوة السلفية ومنظّروها، أمثال يونس مخيون وياسر برهامي، على تحميلها المسؤولية الكبرى عن الهزيمة الراهنة.
بالرغم من ذلك، فما أوصل الحزب إلى هذا القاع هو السلوك الانتهازي نفسه الذي سار عليه، والخطاب الذي رسمه قادته في التفاعل مع الأحداث السياسية، والتناقضات التي وقعوا فيها؛ ما ضرب مصداقيتهم في الجوهر خلال العامين الماضيين، وأظهر أنّهم لا يمتلكون خطاباً سياسياً ناضجاً، ولا قيادات سياسية محنّكة، بقدر ما أنّهم يملكون خطباء ووعّاظا.
لكن الأهم من هذا وذاك هو الفقه السياسي الذي يحكم الحزب والدعوة السلفية، والذي يتسم بقدر كبير من الواقعية السياسية في قراءة موازين القوى. لكنّها واقعية تتجاوز منطق الحكمة في تجنب الصدام المسلّح أو السياسي، كما حدث مع الإخوان وإسلاميين آخرين، إلى الوقوع في الشَرَك الآخر؛ أي تبرير طاعة السلطة والخضوع لها، والسير في ركابها بذريعة تغليب "درء المفاسد على جلب المصالح". وهي القاعدة الفقهية التي استُخدمت خلال قرون طويلة من قبل الحكام المستبدين لتطويع الرعيّة وإجبارهم على القبول بالحكم التسلطي، سواء كان عنوان ذلك "حاكم ظلوم خير من فتنة تدوم"، أو "من اشتدت وطأته وجبت طاعته"!
هذه الواقعية التي تصل إلى مرحلة الانتهازية السياسية لدى سلفيي "النور"، يقابلها -وللمفارقة- تشدد هائل وكبير في الأحكام الفقهية والدينية. ومن أطرف الأمور أنّ أزمتهم مع محمد مرسي نجمت عن تهاونه في مسألة الشريعة في الدستور، أو العلاقة مع إيران (=الشيعة عند السلفيين)، وجرّ الإخوان إلى "فخ" الاستقطاب والصدام مع القوى العلمانية والليبرالية خلال مرحلة مرسي!
بالرغم من كل ذلك، لا يمكن الحكم على مصير التجربة السياسية السلفية عبر هذه الانتخابات. فالحزب نفسه شهد انشقاقاً كبيراً مسبقاً، أدى إلى خروج تيار سياسي معتبر منه، بل وأغلب ألوان التيار السلفي اليوم تقف في الخندق المقابل لحزب النور، أي ضد الانقلاب، ما يجعل النتيجة الحالية هي أقرب إلى التأكيد مرة أخرى على أنّ السلفية التي تسير في ركاب السلطة لا تمتلك رصيداً شعبياً!
(الغد 2015-10-23)