في التمييز ضد المرأة العاملة!

بين المأمول والواقع الفعلي بشأن أشكال ومضامين الحماية القانونية والاقتصادية للمرأة العاملة في الأردن، تظهر فجوة كبيرة لا يعترف بها المجتمع، في الوقت الذي تلجأ الدولة إلى إصلاحات ديكورية للاستهلاك الخارجي.
من يريد أن يقف على حقيقة الأمر، عليه أن يرى النساء العاملات في الزراعة بمناطق وادي الأردن، تحت لهيب شمس الأغوار، وكيف يجري استخدامهن واستغلالهن، ولا يحصلن في المقابل إلا على الفتات. وكذلك الأمر بالنسبة للعاملات في مزارع بمحافظة المفرق، من دون أي حماية صحية أو قانونية أو اقتصادية.
البعض يذهب إلى أن المسألة تقاس عبر دراسة رواتب العاملات في البنوك أو شركات الاتصالات والعقارات الكبرى، لينتهوا إلى أن المرأة في الأردن تحظى بفرص عمل حقيقية ومنافسة، وتتمتع بكامل حقوقها الوظيفية، فلا يمارس ضدها أي شكل من أشكال التمييز أو عدم المساواة مع الرجل. وللأسف، فإن هذا الزعم غير صحيح، والمسألة بمجملها تحتاج إلى مراجعة الدولة والمجتمع لكل البيئة التي تعمل فيها المرأة، كي يتسنى بناء ما هو أفضل وأكثر قدرة على الاستمرار، وفقا لعوامل طبيعية لا تمييز فيها.
في تفاصيل الانتهاكات المسكوت عنها بحق المرأة الأردنية العاملة، هناك -مثلاً- معلمة في مدرسة خاصة تحصل على راتب 80 دينارا شهريا، وبما يشكل 42 % من الحد الأدنى للأجور المقرر في قانون العمل. وليس ثمة من يحاسب إدارة المدرسة التي تظلم هذه المعلمة وغيرها. ومن أكبر الدراسات التي كشفت حجم هذه الانتهاكات، ما توصلت إليه دراسة للجنة الأردنية لإنصاف الأجور (جهد مشترك بين وزارة العمل واللجنة الوطنية لشؤون المرأة)، بأن 27 % من المعلمات في القطاع الخاص يحصلن على رواتب شهرية دون الحد الأدنى للأجور، وأن 37 % من المعلمات يحصلن على 190 دينارا، هو الحد الأدنى للأجور.
وفي مقارنات أكثر اتساعا، أشارت تقارير صادرة هذا العام عن الأمم المتحدة، إلى أن 49 % من العاملات في الأردن يحصلن على رواتب أقل من أزواجهن. وهذه النسبة المرعبة تتضاعف مقارنة بالمعدل العالمي؛ إذ إن 24 % من النساء العاملات حول العالم يحصلن على أجور تقل كثيرا عن أجور الرجال. والحال هذه، يظل يتساءل البعض عن أسباب تدني مشاركة المرأة الأردنية في النشاط الاقتصادي وسوق العمل، حيث تعمل 13 سيدة وفتاة فقط من بين كل مئة سيدة وفتاة أردنية مؤهلة للعمل، حاصلة على شهادة جامعية أو تدريب!
ليس هذا وحسب، بل هناك أصحاب عمل بيننا يقومون بفصل أي عاملة بعد أن يتسرب إليهم خبر حملها! علاوة على إنهاء وعدم تجديد عقود العاملات نتيجة الزواج والمسؤوليات العائلية. وفي موازاة ذلك، تتقلص إجازة الأمومة في قانون العمل الأردني إلى 70 يوما، وهي أقل بكثير من المدة التي تمنحها اتفاقية حماية الأمومة لمنظمة العمل الدولية، والبالغة 14 أسبوعا.
من الواضح أن هناك عجزا حكوميا وتشريعيا في موضوع حماية المرأة العاملة، بالمعنيين القانوني والاقتصادي. ومن المقلق أيضا أن هناك تواطؤا مجتمعيا ومؤسساتيا صوب مزيد من الظلم للمرأة العاملة، بعدم إدانة ما يجري بحقها بصوت عال. والمأمول أن يحدث تغيير في هذا الملف المفتوح، بعيدا عن "عمليات التجميل الشكلية" لواقع المرأة، أو التعامل معها وفقا لرؤية تنحصر في عمان الغربية، فلا ترى مشهد المعاناة الأوسع.
(الغد 2015-10-24)