«تل أبيض».. أو أوراق أردوغان التي تحترق تباعاً!

اقترب رجب طيب اردوغان من ساعة «الحقيقة» التي سيعرفها في الأول من تشرين الثاني الوشيك، بعد ان لم يعد لديه المزيد من «الاوراق» كي يستعيد بها شعبيته المتآكلة ولا بات يملك من الرصيد السياسي وقوة التحالفات الاقليمية والدولية ما يسمح له بقلب الطاولة , اللهم الاستمرار في لعبة اطلاق التصريحات العنترية التي لا تغير من الوقائع ومجريات الاحداث كثيراً، بعد ان سقطت كل رهاناته وبات الرجل في موقع القيام بردّ الفعل اكثر مما هو صانع أحداث او عامل شديد التأثير في المشهد الاقليمي، ما بالك ان همّ «معركة» الأول من الشهر القريب , يتقدم على كل همومه لان مستقبله السياسي مرتبط بنتائج تلك المعركة التي يبدو ان الرجل واركان حزبه قد بدأوا يدركون انهم لن يستطيعوا تشكيل حكومة ذات لون واحد , وحتى لو استطاعوا فإنهم لن يتمكنوا من ضبط الأمور، بعد ان خرجت او كادت على نطاق السيطرة اثر «الانقلابات» العديدة التي احدثها اردوغان في الساحة التركية وجعل العنف وقرع طبول الحرب والمواجهات العسكرية مع «المعارضة» وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني PKK الوسيلة الوحيدة لجذب اصوات الجمهور التركي، الذي بدأ يدرك المدى البعيد الذي ذهب اليه اردوغان والذي إن استمر فإنه كفيل بأخذ تركيا الى مربع الفوضى والتفجيرات الارهابية على النحو المفجع الذي شهدته انقرة مؤخراً وقبلها في سورتش، ناهيك عن اعلان اردوغان الاخير بأن حزب الاتحاد الديمقراطي (السوري الكردي) PYD و»الاسد «وداعش وحزب العمال الكردستاني التركي PKK كلهم ارهابيون، ما يزيد من المخاطر واحتمالات الانزلاق الى حروب متعددة الجبهات.
ما علينا..
الرئيس التركي الذي قال اكثر من مرة ان واشنطن وافقت على اقامة منطقة آمنة في الشمال السوري لم يستطع اثبات صحة كلامه بعد أن تنصلت ادارة اوباما من تعهد كهذا ومضت الى استخدام قاعدة انجرليك وثلاث قواعد جوية تركية اخرى دون ان تتأثر بالتصريحات التركية التي تزعم ان اقامة المنطقة العازلة بات شرطاً لازباً لمنع تدفق المهاجرين الى اوروبا.
لهذا ازداد غضب اردوغان، عندما القت الطائرات الاميركية أطناناً من الاسلحة والمعدات العسكرية لقوات «المعارضة» السورية حاثة اياها على محاربة النظام السوري وكان في ضمن هذه «المعارضة» قوات الحماية الذاتية (الكردية السورية) ما دفع الرئيس التركي الى رفضه علناً.
لكن أحداً في واشنطن لم يكترث به, فجاء تصريحه الاخير الذي يعبر عن يأس اكثر مما يؤشر الى جدية او فعل ميداني قريب , بأن انقرة «لن «توافق على سيطرة كردية سورية على الشمال السوري بعد «ضم»مدينة تل ابيض الى منطقة «الادارة الذاتية ..الكردية.
هنا والان, وقع اردوغان في شر قراراته الخاطئة وتصريحاته التي تفيض غطرسة واستعلاء وجهلاً عميقاً بحقائق الجغرافيا والتاريخ وبخاصة في ما يتعلق بطبيعة الموقع الذي تحتله سوريا والدور الذي لعبته وتلعبه على مر العصور, هذه المكانة وذلك الدور اللذين كانا محور صراع لا ينتهي بين الامبراطوريات ولم تكن عبثاً تلك المقولة التي ترسخت مع الدوام ,نظراً لصحتها , بأن من يسيطر على سوريا, يسيطر على المنطقة باكملها.
قد يكون «الحلم العثماني» الذي يداعب اردوغان ويأخذ عليه كل وقته, جزءاً من هذه الاطماع الدفينة التي اخفاها خلف ادعاءات متهافتة مثل الانحياز للاغلبية «السُنيّة» أو ظلم النظام واستبداده وطائفيته وغيرها من الاتهامات التي ساقها اردوغان بعد «عقد» من العلاقة الوثيقة مع النظام السوري وخصوصاً رئيسه, إلا ان مواصلته التنكر للحقائق وابداء المزيد من العناد والمكابرة, يدفع الى الاستنتاج بأن الرجل قد فقد كل اوراقه ولم يعد بمقدوره التراجع, رغم ادراكه ,ومَنْ حواليه , بأن ليس لديهم ما يفعلونه الان وبخاصة بعد الانخراط الروسي في الازمة السورية وخروج ما تبقى من اوراق لدى أنقرة التي انكشفت علاقتها مع داعش في الوقت ذاته الذي يتقدم فيه الجيش السوري بغطاء جوي روسي الى مناطق الشمال السوري لدحر ما تبقى من منظمات ارهابية واغلاق الحدود مع تركيا, التي كانت طوال اكثر من اربع سنوات من اندلاع الازمة خزان وطريق عبور عشرات الالاف من ارهابيي داعش والقاعدة والمرتزقة من كل بقاع العالم, فضلاً عن مراكز التدريب والقيادة والايواء والدعم اللوجستي لهؤلاء, وكان اجتياح مدينة إدلب والسيطرة على مدينة جسر الشغور الدليل الابرز على التورط التركي المباشر في الازمة بهدف السيطرة على الشمال لسوريا.
حلم اردوغان بالصلاة في المسجد الاموي تبدد , وأوهامه بسقوط سريع للنظام سقطت , فيما خريطة المعادلات والاصطفافات الجديدة التي طرأت بعد 30 ايلول الماضي اجهزت على ما تبقى من آمال بامكانية تحقيق مطامع السلطان اردوغان في سوريا واستخدامها منصة للانقضاض على المنطقة العربية اسواقاً وثروات وفضاء حيوياً لاحلامه الامبراطورية.
احتمالات سقوط مشروع اردوغان «التركي» بمعنى تحويل النظام البرلماني الى نظام رئاسي واردة , واحتمال نجاح الرئيس السوري في الانتخابات الرئاسية «المبكرة», إن جرت, اكثر من واردة, إن لم نقل مؤكدة.
عندها سيُسأل: مَنْ ضَحِكَ أخيراً؟
(الرأي 2015-10-26)