في الحرب النفسية أو.. عندما «يُحَرِّفون» الصِيَغ؟

فجأة ... ضجَّت وسائل الإعلام، العربية والغربية، الفضائيات والمواقع الإلكترونية ووكالات الأنباء، وراحت تتحدث بحماسة عن تغيّر دراماتيكي في الموقف الروسي من رأس النظام السوري، قيل إنه جاء على لسان الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا مفاده «أن بقاء بشار الأسد في السلطة، ليس حتمياً، بالنسبة لروسيا»، ثم بدأت الصيغة تتغير لتصبح مفردة «حتمياً» مرادفة لكلمة «مبدئِياً» والفارق بين المعنيين لغوياً وسياسياً... واضح وجلّي، لكل ذي بصيرة ودراية، ما بالك في عالم السياسة والدبلوماسية واللغة الغامضة حمّالة الأوجه والغايات التي تحفل بها تلك اللغة، وبخاصة ما تستبطنه من غموض وتورية ولَعِبٍ على أكثر من حبل وفي أكثر من ساحة ورقصات مختلفة في «أعراس» عديدة؟
وبصرف النظر عمّا إذا كان قد طرأ تَغيّر على الموقف الروسي أم لا، وهو ما يحاوله ويراهن العسكر المعادي للنظام السوري والرافض لتحالفاته وخياراته، وهو أمر نراه غير وارد في المديين القريب والمتوسط، فإن الرهان على تَغيّر كهذا، يُراد به الالتفاف بل إفشال كل المحاولات الرامية الى وضع حد للمأساة السورية، بعد ان وصلت الحرب على سوريا ذروتها وولغ الذين يشنون الحرب عليها، كثيراً وطويلاً، في دم الشعب السوري وتجاوزوا كل قوانين الحرب والقانون الدولي والأعراف الإنسانية والأخلاقية وأعمتهم الأحقاد وانعدام المسؤولية، عن أي حسّ ديني أو إنساني أو أخلاقي، ووجدوا في الحرب على سوريا، شعبها ودولتها، فرصة لتحقيق أهداف سياسية مشبوهة وتصفية حسابات وأحقاد شخصية، وتعزيزاً لمواقع جيوسياسية، على النحو الذي يتبدى بوضوح وجلاء في الموقفين التركي والأميركي وبعض العرب.
ما علينا...
الخبر المُحرّف الذي نُقِلَ على لسان متحدثة وزارة الخارجية الروسية، بات واضحاً الآن، وتبيّن أنه التزام «حرفي» لِما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلنه، وكرّره، كذلك كانت حال تصريحات ومواقف رئيس الدبلوماسية سيرغي لافروف، قالت ماريا زخاروفا: «مصير الأسد يجب أن يُحدّده الشعب السوري، نحن لا نحدد إذا كان على الأسد الرحيل أو البقاء. فهل ثمّة مَنْ يختلف على رأي كهذا، بما في ذلك السوريون أنفسهم، وبخاصة الرئيس السوري ذاته، وأقرب حلفائه إليه... إيران وحزب الله.
ثم...
ما الذي يدفع موسكو إلى تغيير موقفها الآن؟ وفي هذه المرحلة بالذات؟ التي لم تتضّح فيها بعد ملامح الخطوة التالية التي سيقررها «منتدى فيينا»، في اللقاء المزمع عقده بعد أسبوعين (إذا ما عُقِد)، وهو ما قرَّره «المنتدون» في العاصمة النمساوية، بعد اللقاء الموسع الأسبوع الماضي، إثر توصلهم إلى «النقاط التسع» التي توافقوا عليها؟
ثمّة سذاجة سياسية في مَنْ يراهن على تغير كهذا في هذه المرحلة على الأقل، وبخاصة أن موسكو ما تزال «نَشِطَةً» في ضرب قواعد الإرهاب المنتشرة على الأراضي السورية، وفي الدعوة إلى «مفاوضات» بين النظام والمعارضة، ودائماً في القول: إن مصير الرئيس السوري هو قرار الشعب السوري ذاته، فهل تبلورت الأمور على النحو الذي ذهب إليه مُحرّفو الصيغة الروسية هذه؟
بالمقابل، إذا كان «أعداء» النظام السوري ورئيسه، يشترطون شرطاً كهذا، وهم في الآن ذاته يواصلون تسليح المنظمات الإرهابية، ما يوصف بالمعتدل منها ومَنْ هو متشدد، ويتوقعون «تورط» موسكو في المستنقع السوري ويتوعدونها بتكرار تجربتها المُرّة في أفغانستان، ناهيك دفاعهم غير المحدود، عن تلك التنظيمات ومطالبتها - إن لم نقل اصدار الأوامر لها - برفض أي حوار مع النظام، فلماذا يُغيّر الروس موقفهم من الأسد؟ ومقابل ماذا؟ أليست هذه لعبة الدبلوماسية وقواعدها؟ فهل يعني ذلك كله (في النهاية) أن الرئيس الروسي وطواقم مستشاريه، على هذه الدرجة من السذاجة والجهل وانعدام الرؤى السياسية والاستراتيجية؟.. ام أنها الحرب النفسية الشرسة التي ترافق حملة إعلامية ضخمة تتسم بالتحريض والتحريف والاستعداء؟.
(الرأي 2015-11-05)