تعداد السكان ضرورة وطنية

كل الدول المتقدمة تقوم بإجراء تعداد سكاني للمقيمين على أراضيها، سواء كانوا مواطنين أم غير مواطنين، بشكل دوري، وفي الغالب كل عشر سنوات.
واختيار فترة العشر سنوات ليس صدفة، بل له مبرراته، ومن أهمها أنها فترة كافية لحصول تغيرات ديموغرافية/ سكانية ليتم رصدها. والسبب الثاني أن التعداد كلفته عالية، ويتطلب جهداً كبيراً، فمن الصعب إجراؤه سنوياً. لكن أغلب الدول تقوم أيضاً بإجراء مسوح متخصصة في الفترة بين التعدادين.
التعداد السكاني يرصد الخصائص السكانية والاقتصادية والاجتماعية كافة للأسر والأفراد، إضافة إلى الحراك السكاني داخل الدولة. وعليه، ستشكل نتائج التعداد الأساس الذي تبنى عليه السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي يستند إليها التخطيط المستقبلي الهادف إلى الاستجابة لاحتياجات السكان. فلا تستطيع دولة ذات بنية مؤسسية أن تبني سياساتها وخططها على تكهنات حول حجم السكان وخصائصهم، إلا في بعض دول العالم الثالث التي تبني سياساتها على رغبات قادتها الذين يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء؛ أي إن السلطة هنا سياسية وليست معرفية.
وإضافة إلى حاجة الحكومات الماسة للمعلومات التي ينتجها التعداد، فإن حاجة الأكاديميين والباحثين لا تقل أهمية؛ إذ توفر الإحصاءات الناتجة عن التعداد منجماً من المعلومات للباحثين في المجالات المختلفة، مثل السكان، والاجتماع، والاقتصاد، وغيرها من المجالات. فلا يوجد باحث أو جامعة أو مؤسسة بحثية تقدر على القيام بإجراء دراسات بهذا الحجم، أو توفير المعلومات التي توفرها التعدادات السكانية.
إن استحقاق التعداد كان في العام 2014؛ لأن آخر تعداد تم إجراؤه في العام 2004، إلا أنه اتُخذ قرار العام الماضي بتأخيره لمدة عام لأسباب غير معلنة. لكن في رأي المتخصصين، لم يكن قرار التأجيل مبرراً؛ لأنه أضاع عاماً كاملاً من غياب المعلومات والمعرفة حول المجتمع الأردني. وبعكس ما يعتقد البعض، فإن وجود اللاجئين السوريين في الأردن كان يجب أن يكون مبرراً إضافياً لإجراء التعداد في الوقت المستحق وليس العكس. والسبب يكمن في أننا يجب أن نجمع معلومات عنهم، وأماكن وجودهم، وخصائصهم وماذا يفعلون، وإلا فكيف يمكن أن نتعامل مع أزمة اللجوء السوري إذا لم يكن لدينا معلومات دقيقة عنهم؟!
إن تسييس التعداد ليس له ما يبرره، وكأن أصحاب القرار قد اتخذوا قراراً ما وينتظرون المعلومات التي تدعم وجهة نظرهم، وكأنه سيتم تفصيل النتائج حسب رغبتهم.
يعتبر الأردن من أكثر دول المنطقة تطوراً في مجال المعلومات والإحصاءات السكانية والاقتصادية والاجتماعية، ويجب أن يستمر في الريادة في توفير المعلومة الدقيقة وفي الوقت المناسب.
إجراء التعداد السكاني بنجاح يتطلب تحضيرات وجهودا مضنية ومكثفة، وهو ما تقوم به دائرة الإحصاءات العامة منذ بداية العام، بعقول وكفاءات أردنية. وهذه الجهود تستحق الدعم من المؤسسات الوطنية كافة، لأنه نجاح وطني يراكم على ما تم إنجازه سابقاً في هذا المجال.
وختاماً، إن التعداد السكاني المنتظر ضرورة واستحقاق وطنيان، يجب أن يكون الوجهة للسياسات العامة والاقتصادية والاجتماعية للسنوات المقبلة.
(الغد 2015-11-05)