الطائفة اللبنانية الناجية !!

هذه الطائفة ليست سنيّة او شيعية وليست درزية او مسيحية، انها كل هؤلاء وقد انصهروا في بوتقة اسمها الوطن، انها الطائفة رقم 19 التي تذكرنا بقصيدة للشاعر الفرنسي جاك بريفير والتي كتبها عن لويس التاسع عشر وعائلة آل بوبون الضعيفة في علم الحساب لأنها كما قال لم تتقن العدّ حتى العشرين . وهذه الطائفة التي تتشكل من مواطنين يضعون الهوية الوطنية في مقدمة الاولويات لا تعترف باوطان تتشكل من كسور عشرية وذات خطوط طول وعرض طائفية ومذهبية فالجميع بالنسبة اليها لبنانيون، متساوون في الحقوق والواجبات ويخضعون لعقد اجتماعي واحد . لقد انفردت هذه الطائفة المضادة والتي ارادت للمجتمع ان يكون اطيافا في قوس قزح واحد خلال السنوات الماضية وبتزامن مع الحراكات العربية بشعارات مدنية وعبرت عن اشواق مضادة للمحاصصة والخصخصة الوطنية الى تحول الهويات الفرعية الى اعشاب سامة تقضم جذور الهوية الأم . فالثقافة الطائفية شأن آل بوربون كما وصفها جاك بريفير لم تتقن العد حتى العشرين لكنها اذا تنامت ستفرخ هويات بالعشرات، ويصبح لكل حارة نشيد وعَلَمْ وفضائية ، وحين نقول انها الناجية فذلك ليس بمقياس الجنة والنار او بمنطق الفرق السبعين المتناحرة، بل بمقياس حضاري ومدني، لأنها رهان على تحرير المستقبل من ارتهانات الماضي الذي افرز من خلال التناقضات حربا اهلية لها ظلال واصداء في الذاكرة، لأنها أتت على الأخضر واليابس والسهل والجبل ولم ينجُ من نارها حتى من نفخوا فيها . وما كان يسمى ذات عروبة الوطن العربي تحول الى عالم عربي بفضل معجم المصطلحات الاستشراقية وقد يفقد حتى هذا الاسم لأن المخطط له هو اعدام اي قاسم مشترك قومي واحلال فقه التآكل بدلا من استراتيجية التكامل، بحيث يلد العرب اعداءهم هذه المرة من صُلبهم ويصبحون كالهر الذي لحس المبرد فاستمرأ مذاق دمه حتى الموت . نعرف ان من ظلوا على قيد انتمائهم القومي وهويتهم الام في بلاد العرب هم أقلية، لكنها فاعلة، وحرّة وغير خاضعة للاستعمال كأدوات وملاقط وقفازات لقوى تصرّ على امتصاص هذا الوطن حتى النخاع . انها طائفة مضادة للطوائف، لأنها ذات دينامية ايجابية حاضنة وليست طاردة وهي وحدها التي ستمنع لبنان من العد حتى العشرين !!
(الدستور 2015-11-09)