تعيش تعيش سايكس بيكو

مع وصول الأخبار عن اجتماع أمني كبير في لندن بين ممثلين من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وروسيا بالإضافة إلى بريطانيا، ومع ما يجري من حراك وسيلته العنف في منطقة الشرق الأوسط، ومع مرور مئة عام على معاهدة “سايكس بيكو” الشهيرة ونهاية تفويض عصبة الأمم لفرنسا وبريطانيا حيث كان التفويض لإدارة الدول المتقاسمة لمدة مئة عام، يبدو أن المنطقة ستخضع لتقسيم جديد، الأمر الذي شاع بين بعض المحللين باسم “سايكس بيكو جديد”.
هناك من يحاول تعديل ما تم الاتفاق عليه في فندق هايد بارك كورنر عام 1916، حيث لن يكون ثنائيا كما كان، بل إن التقاسم سيجري على مستوى دول الفيتو هذه المرة.
الحال يسير بالمنطقة من سيء إلى أسوأ، حتى بات لسان حال أهلها يدافع عن سايكس بيكو الأول لأنه، على الأقل، حفظ لهم دولا وطنية يخشى أن تتفكك في التقسيم الجديد.
آباؤنا يتحملون مسؤولية ما نحن فيه حينما أسقطوا النظم الملكية وجاؤوا لنا بنظم انقلابية ثورية سرعان ما تحولت إلى نظم دكتاتورية شمولية، حاربت اليسار العربي بكل ما أوتيت من بطش، لتفسح المجال أمام الإسلام السياسي ويتحرك بعدها ليطيح بها في ما سمي بالربيع العربي.
اليوم يدفعنا ناشطون لنتظاهر ضد تقسيم المقسم ونحافظ على ما تم الاتفاق عليه عام 1916، والذي بقي من بديهيات مظلمتنا على مدى قرن، فنحن أمة العرب التي كانت لا تعترف بالحدود في ما بينها، اليوم نحن ندافع عن حدودنا المقررة منذ سايكس بيكو الأول، ونرفض تأسيس حدود جديدة ستجعل من دولنا الوطنية التي انتمينا إليها ورفعنا أعلامها، دويلات تتصارع بشكل طائفي وعرقي، وعن قريب سنرفع شعار “تعيش تعيش سايكس بيكو” ونرفض المساس بها لأننا، ببساطة، فرطنا في أعدائنا الذين كانوا يدعون إلى “وطن حر وشعب سعيد”، واستبدلناهم بخلايا الذبح والنكوص للرعب.
ولأننا نؤمن بنظرية المؤامرة التي تعلمناها في مناهجنا الدراسية، فإننا ندرك اليوم بأن ما جرى وما يجري كان مخططا له. حيث تقول الحكمة المنطقية الإغريقية “وراء أي نزاع طرف مستفيد”. اليوم يتم التخطيط لإسرائيل اليهودية الكبرى، بجوار دويلات تتصارع طائفيا وعرقيا وتحول خيراتها لصالح دول سايكس بيكو الجديد.
المنطقة ستشهد تأسيس دويلات شيعية وأخرى علوية متحالفة معها، فيما ستناضل الدويلات السنية من أجل الحصول على الأرض والخيرات وستتحالف مع الدويلات السنية المتشددة للضغط على التحالفات الشيعية الجديدة، أما الدويلتان الكرديتان فستأخذان دور جمع كل الأقليات المتبقية في المنطقة من مسيحيين وأقليات أخرى. والجميع سيشترون السلاح من الأوصياء الجدد لسايكس بيكو الجديد كي يضمنوا بقاءهم.
الإيرانيون والروس استبقوا الأمور فتحركوا لمحاولة الاستحواذ على الأرض قدر ما يستطيعون، كي يضمنوا أوراق التفاوض المستقبلية حول أمنهم القومي وتحالفاتهم القادمة، مستغلين الارتباك الأميركي الذي يقوده الحزب الديمقراطي في تضييع مكتسبات الحرب على العراق وأفغانستان.
حرب الخرائط الجديدة قادمة بلا شك، وليس أمامنا إلا أن نصيح بأعلى أصواتنا…”تعيش تعيش سايكس بيكو”.
(العرب اللندنية 2015-11-11)