"معوق" صفة حتما لا تنطبق على "عمر"
المدينة نيوز:– يجلس محمد إبراهيم حسين ذو الـ 38 عاما منهكا، بعد كل مرة يحمل فيها ابنه المعوق حركيا، نزولا وصعودا لـ 140 درجة هي سُلم البيت؛ ليبلغ شقته في الطابق الرابع، في معاناة مستمرة منذ عشر سنوات، مع طفله عمر، الذي يستجيب لوالده بتفوق دراسي على الرُغم من حالته الصحية الصعبة.
عمر، وهو طالب في الصف الرابع يقول تشخيصه الطبي إنه يعاني من عجز كلي في الأطراف، سببه نقص الأوكسجين عند الولادة، لكنه وعلى الرغم من إعاقته متمسك بمواصلة التعليم والانتظام في صفه يوميا، فبات في المرتبة الثالثة من بين 49 تلميذا في الصف.
"أحب أن أتعلم، وأعاني كثيرا، أجد متعة ويزول عجزي أمام ما أتعلمه كل يوم، من المعلمين ومن زملائي"، بهذه الكلمات بدأ عمر الطالب في مدرسة الأمير محمد الحكومية في محافظة الزرقاء، مؤكدا عزمه استمرار التعلم رغم إعاقته الحركية، قائلا "كل ما يحدث حولي لا يعنيني ولا يهمني، فأنا أبحث عن التعليم، وأن لا أفقد حقي مثل بقية زملائي، أحيانا أتعب حد اليأس، إلا أن عددا من المهتمين بي، يجعلني أستمر ولو حبواً للتعليم".
جمعية الحسين كانت بداية الأمل في مركز الدمج الشامل التابع لجمعية الحسين، أمضى عمر ثلاث سنوات من عمره، يقول المشرفون عليه، إن رغبته بالتعليم تسببت لهم بجهد مضاعف، وبعد ثلاث سنوات استطاعوا الوصول به الى الدمج وهذا التفوق.
تقول المديرة التنفيذية للجمعية آني أبو حنا إن الجمعية تستقبل هذه الحالات ليس إنسانيا أو مِنّة عليهم، بل لأن لهم الحق في التعليم والحياة، والجمعية تعمل بطاقة قصوى تبلغ 105 طلاب، وبعد ثلاثة فصول ينتقل علميا إلى مرحلة الدمج مع أقرانه الأصحاء في المدارس الحكومية، ومشيرة الى أن الجمعية تستمر في متابعة طلابها، وتعينهم على حل ما يواجهونه من مشاكل في بداية دمجهم.
الأب ورحلة البحث عن مدرسة يقول والد عمر "أمضيت ثلاثة أشهر في البحث عن مدرسة حكومية تقبل عمر، لكنه يؤكد أن اليأس لم يتسرب الى نفسه لعلمه برغبة ابنه في التعليم، حتى وصل إلى مدرسة الأمير محمد الحكومية، والتي قبلت ابنه أخلاقيا وإنسانيا وقانونيا، رُغم عدم امتلاكها مرافق خاصة لاستقبال هذه الحالة.
لكن ورغم ان المدرسة تكتظ بـ 2300 طالب على فترتين صباحية ومسائية، وتفتقر لوسائل العناية بطلبة من مثل حالة عمر، لكن مدير المدرسة تعهد بتوفير كل ما يستطيع لتحقيق أمل عمر في التعلم.
قصة يومية مع 140 درجة على سُلم المنزل والد عمر يحمله كل يوم صعودا ونزولا 140 درجة على سلم البيت، حتى يصل الى الطابق الرابع حيث يسكن، ويذهب به إلى المدرسة ويحمله الى الصف ثم يعود إليه نهاية اليوم، يتّبع الوالدان طريقة علمية في الطعام والشراب لابنهما، بحيث لا يحتاج إلى استخدام حمّام المدرسة طيلة اليوم؛ لأن خروجه إليه أمر صعب جدا، فلا أحد يستطيع حمله ومساعدته لمثل هذه الاحتياجات الطبيعية، لذا ابتكر الوالدان طريقة لعدم تعرض ولدهما للإحراج، إضافة الى ان المدرسة لا تحتوي على دورات مياه خاصة بمثل هذه الحالات، بالإضافة إلى إطعامه أشياء خفيفة أثناء الدراسة.
والد عمر يقف خلف نجاح ابنه والد عمر يقف خلف صمود عمر واستمرار تعليمه، يقابلك بالابتسامة وهو يحمل ابنه عند باب المدرسة في الثامنة صباحا يوميا، لا تشعر أنه يكره أو يخجل مما يفعل، فالابتسامة تعلو وجهه، باشّا في وجه كل من يلقاه.
والد عمر قرر أن يعمل في عمل حر في ورشات الكهرباء، كي لا يتقيد بساعات عمل طويلة، ولا يكون عمله ليس على حساب ابنه الذي يعتقد جازما أن الله تعالى أوجده له كي يقوم بمساعدته، رغم عدم إكماله للتعليم، ويقوم مع زوجته بالعناية بعمر بشكل علمي ومتقن، يصعد كل يوم إلى حيث يسكن في الطابق الرابع في حي معصوم في الزرقاء، ولا يوجد في البناء مصعد كهربائي.
ويضيف أبو عمر، "إن كل ما أتعرض له من ضغوط الحمل والاهتمام بعمر يوميا، لا يعنيني ولا يؤثر بي، خاصة بعد أن يعود إليَّ بعد الظهر، حاملا معه ورقة امتحان اللغة الانجليزية، وقد حصل على علامة 19 من عشرين، ليكون من بين الخمسة الأوائل على الصف، وهذا دليل على أن عمر يحتاج إلى عنايتي وحضن وأمان والدته، لنساعده في الوقوف في المجتمع".
مدرسة الأمير محمد الحكومية تحتضن عمر رغم قسوة الظروف مدير المدرسة عبدالله العموش، قال إن قبول عمر في المدرسة شكل تحديا للمدرسة وإدارتها وطلابها، فهناك أكثر من 2300 طالب في المدرسة كلهم أصحّاء، وقانون وزارة التربية والتعليم واضح ولا لبس فيه، وينص صراحة على "قبول الطلبة ذوي الظروف الخاصة"، وهي صلاحيات مدير المدرسة، ويجب أن يوفر له الأمن والرعاية الشاملة، وفي حالة عمر يحتاج الأمر إلى تطبيق القوانين فقط، التي تدمج مثل هذه الحالات، مشيرا إلى إجراءات تتم الان؛ لتوفير حمام للطالب، وخطة مستقبلية عند ترفيعه إلى الصف الخامس، وسيتم الابقاء على شعبته في الطابق الأرضي.
مربي صف "عمر" المعلم بسام الغويري، يقول "لم أشاهد طالبا في المدرسة كل يوم بهذه النظافة، معطر بأجمل أنواع العطور، مهذب، لمّاح، بشوش، لبق في حديثه، يُشعرك أنه من أسعد خلق الله، رغم ما يعانيه من صعوبات في جسده الغض".
واكد أن عمر، ذكي، والمعلمون جميعهم يعطونه الوقت الكامل والكافي؛ لأن يكتب ويجيب عن الأسئلة، ويلبون احتياجاته التي يطلبها خلال الحصة الصفية، مشيرا الى انه لا يتغيب عن المدرسة إلا إذا كان هناك ظرف قاهر، وهو من بين الطلاب الأكثر تحصيلا.
زملاء عمر في الصف يقولون عنه إنه "متفوق على كثير منا، ونحن لا نعاني مما يعاني منه، دائم الابتسامة، لا يحمل أي عصبية أو عدوانية ضد أحد، نساعده ونتمنى أن يبقى معنا ويكمل تعليمه إلى النهاية، في الصف لا أحد يؤذيه، نتسابق لإحضار القلم ان سقط منه، نعاقب أي أحد يُسيء إليه أو يُشعره بضيق، عمر يمنحنا كثيرا من التفاؤل".
المجلس الأعلى لشؤون المعوقين وقانون حمايتهم "المجتمع يُخفي المعاق، ولا يقف إلى جانبه"، بهذه الكلمات تحدثت مديرة مديرية الدراسات والتخطيط المؤسسي في المجلس الأعلى لشؤون المعوقين الدكتورة نائلة صبّاح، مشيرة إلى أن نسبة الإعاقة في الأردن بلغت 13 بالمئة.
وبينت أن المجلس هو راسم سياسات، لمساعدة أصحاب القرار على توفير الدعم المعنوي والمادي لهذه الفئة من الأشخاص في المجتمع، وأن القانون يفرض دمج هؤلاء الأشخاص في المجتمع وتوفير التعليم لهم كحق من حقوقهم الواجب توفيرها لهم.
وتشير المادة الرابعة من قانون حماية الأشخاص المعوقين رقم 31 لسنة 2007، الفقرة الثانية، التعليم والتعليم العالي، إلى توفير فرص التعليم العام والتعليم المهني والتعليم العالي للأشخاص المعوقين حسب فئات الإعاقة من خلال أسلوب الدمج.
الوالدان لا يطلبان المساعدة عمر ووالده ووالدته قصة نجاح في منح حق التعليم والاستمرار فيه؛ لمن فقد شيئا من وظيفة بعض من أعضائه، والوالدان نموذج الأسرة التي لا تتخلى عن ابنائها بسبب ما خُلقوا عليه، فهي إرادة الله، لا يطلبان الشفقة والحسنى على ابنهما، ولا مساعدة أحد، فوالده يقول كل ما أريده هو أن يتعامل الجميع مع هذه الفئة ويساعدها على الاندماج في المجتمع، وأن لا ينظر اليهم أحد نظرة دونية أو اشفاق ، هم يريدون دعما معنويا ونفسيا، فكثير من الأشخاص يعتبرون ذلك عيبا، وأنا اعتبره قمة الفخر أن امتحن اللهُ صبري بعمر.
لكن الثلاثة، عمر ووالديه يبعثان برسالة الى مديري المدارس المتشددين في قبول طلبة بمثل حالة عمر، أن يمنحوا الفرصة لأنفسهم بمساعدة الآخرين، فالتعليم رسالة أخلاقية نبيلة، وعمر يقاوم من أجل النجاح رُغم كل ما به من ضعف، ويحصد نتائج عالية، وملتزم أخلاقيا وسلوكيا ولا يؤذي أحدا.
ويبقى الأمل الذي يداعب والد عمر في الحصول على شقة أرضية تريحه من صعود درج البيت كل صباح وظهيرة، وبمقعد جامعي لابنه، وكيف سيحمله في طابور الخريجين يوما، والأجمل أن يكون من أوائل الثانوية العامة.. والد عمر يملأه الأمل بأن (عمر) سيكون له شأن كبير وعظيم في حياته.
(بترا)