العــلاج الـوهــمـي
إن أدوية العلاج الوهمي لا تحتوي على أي عناصر كيميائية وعلاجية ، ولكنها أثبتت مفعولها الطبي في علاج الكثير من الحالات المرضية ، فهي تعتبر من أهم أسس البحث العلمي وطرق مراقبة الأدوية خلال مرحلة تصنيعها وتجريب مفعولها ومضاعفاتها ، الأمر الذي يتطلب دراسات علمية قد تطرقنا للحديث عنها في مقال سابق تحت عنوان " الطريق الشاق في اكتشاف الأدوية " .
فعند فحص مفعول العقاقير الجديدة قبل طرحها في الأسواق، يتم دائماً مقارنة مفعول الدواء مع دواء آخر متوفر في السوق يحتوي على نفس التركيبة الكيميائية ، أو تتم مقارنته مع أدوية العلاج الوهمي التي تحتوي على مواد غير فعالة دوائياً ، كالسكر أو الجيلاتين مثلاً، أي ليس لها أي تأثير على المرض أو المريض، وفي هذه المرحلة يتم تقسيم عينة كبيرة من المرضى إلى مجموعات تتلقى علاجات مختلفة لتتم مقارنة نتائج العلاج بينها ، فأحد الأقسام يتناول الدواء الحقيقي المراد اختباره ،قسم آخر يتناول عقار له نفس الشكل و اللون، ولكنه في الحقيقة لا يحتوي على مركبات كيميائية، ويتم إعلام المريض بطبيعة العقار الذي سيتناوله في بعض الأحيان، وأخد موافقته وتكون خطية مضافاً إليها التأمين الصحي له في حال حدوث مضاعفات وأضرار أخرى غير متوقعة .
وهناك اتجاه طبي جديد لإستخدام العلاج الوهمي في مكافحة الإدمان وعلاج الأوجاع أو الأمراض المزمنة وكذلك لعلاج السرطان والأمراض النفسية ، ومن رواد هذا الاتجاه الباحث الأمريكي المعروف في علوم العلاج الوهمي تيد كابتشوك (Ted Kapchuk) من جامعة هارفارد ، فهو أول من وصف ما يدعى مفعول العلاج الوهمي عالمياً ، كما وينصح الأطباء بإعطاء مرضاهم علاجات وهمية أحياناً، واخبارهم بما يلي : "إننا نثق بأن هذا العلاج سوف يساعدكم على الشفاء" ، وعلى الرغم من أن هذا العلاج يعتبر خدعة للمريض إلا أن نتائج البحث العلمي أثبتت جدواه عند الكثير من المرضى ، وذلك لأن الجانب النفسي بالإيهام يلعب دوراً كبيراً في شفاء الكثير من الحالات وهذا ما توصلت إليه نتائج الأبحاث والدراسات ، الأمر الذي ساهم في نجاح العلاجات الوهمية.
في أحد التجارب التي قام بها الباحث المذكور، نجح في علاج حوالي 80 مريضاً يعانون من التهابات الأمعاء وأوجاع أخرى مزمنة ، فقد وصف لما يقارب 50% منهم علاجاً وهمياً كتب عليه بوضوح علاج وهمي ، أما الباقي فلم يتلقوا أي علاجات ، وبعد ثلاثة أسابيع وُجِدَ تحسن لدى المجموعة الأولى مع العلم أنها تعلم بأنها أُعطيت عقار يحتوي على السكر فقط أي علاج وهمي.
هذا وقد أجريت نفس التجربة على مرضى مصابين بوجع الرأس المزمن " الشقيقة " وكانت النتائج مشابهة ، ونُشرت هذه النتائج في مجلة (New England Journal of Medicine) ، حيث توصلت نتائج هذه الدراسات إلى أنه لا يمكن الشفاء من الأمراض المزمنة باستخدام العقاقير الوهمية، ولكنها تستطيع تخفيف المعاناة الجسمية والنفسية لهؤلاء المرضى ،وهناك حقيقة ليس عليها خلاف في الأوساط العلمية تتمثل في تأثير الوهم (Placebo Effect) في نجاح العلاج ، فقد أثبتت الدراسات بأنه عندما يتناول المريض دواءً يظن أنه سيؤدي إلى شفائه تحدث في معظم الحالات نتائج إيجابية ، وذلك لمجرد الظن بأن هذا الدواء مفيد ، ولهذه العقاقير الوهمية تأثير على أعصاب الدماغ ، حيث تؤدي إلى إنتاج هرمون الدوبامين (Dopamine) والمعروف بفوائده الكثيرة للجهاز العصبي و يعمل على تخفيف الآلام ، وهناك تجارب حديثة في علوم الأعصاب أثبتت حدوث تغيرات بيولوجية ايجابية في الدماغ بعد الحصول على العلاج الوهمي.