ضواحينا وضواحيهم !!

لو كان طه حسين حيا لأضاف الى مقالته الشهيرة اغنياؤنا واغنياؤهم ملحقا بعنوان ضواحينا وضواحيهم . والمقصود في الحالتين هو العرب وأوروبا، فأغنياؤنا كما قال طه حسين الذي تعلّم في فرنسا ورأى عن كثب مدينة النور كما كانت تسمى قلما ينفقون من اموالهم على العلم والثقافة والصحة بعكس اغنيائهم الذين أنفقوا الكثير على الاداب والفنون وتبني المواهب، ولو حدث خطأ مطبعي في عنوان مقالة طه حسين في زمن ما قبل الكمبيوتر وعندما كانت الحروف تصّف بالرصاص لأصبحت المقارنة بين اغبياء وأغنياء، ما لم يكتبه طه حسين هو الفارق بين ضواحي مدن العرب وضواحي عواصم اوروبا وبالتحديد باريس . ففي تلك الضواحي التي سميت احزمة القصدير والصفيح يحتشد الفقراء والمهاجرون والمهمشون، لهذا ما ان يحدث فعل عنيف في باريس حتى ينصرف الانتباه الى تلك الضواحي، فهي التي تفرز المجرمين والخارجين عن القانون واخيرا أصبحت حاضنة للارهاب . ضواحينا حكر على عليّة القوم والاغنياء لهذا فهي عكس الضواحي الاوروبية والفرنسية بشكل خاص، اما العشوائيات واحياء الفقراء فهي في احشاء العواصم العربية وان كانت تحجبها واجهات حديثة لكنها لا تستطيع حجب ما يرشح منها، سواء كان اطفال شوارع ومتسولين او عاطلين . وتاريخ تشكل المدن العربية كما يرويه مهندسون معماريون ومؤرخون له حكاية مختلفة، لكن ما يهمنها في هذا السياق هو ان مراكز العواصم العربية هجرت ومنها ما تحول الى ركام واطلال، لأن الحياة الحديثة والخدمات هي من نصيب الضواحي الاشبه بالمستوطنات . ما يشبه ضواحي باريس بالنسبة لمدننا العربية هو المقابر، فهي مطرودة من عالم الاحياء كي لا تذكرهم بالموت، لأنهم كما قال سارتر وهو يصف بورجوازيي مدينة بوفيل في رواية الغثيان يتصورون انهم خالدون ومن معدن آخر غير هذا الطين !! في باريس كان التسلل الارهابي من الضواحي الى المدينة وفي بيروت كان التسلل من المدينة الى الضاحية . وقد يتصور البعض ان الامكنة محايدة ولا دلالة لها لكنها في الحقيقة ازمنة بامتياز تاريخي . لهذا يجب فض الاشتباك بين من ينتحرون من فرط الشبع والتخمة وبين من ينتحرون جوعا ومرضا !!
(الدستور 2015-11-17)