سوريات يتحولن من ضحايا للعنف إلى ناجيات يقدمن يد العون لغيرهن
تحولت من ضحية للعنف، إلى ناجية، تمد يد العون والمساندة للمحيطات بها من السوريات، لمواجهة تجربتهن القاسية، في العنف واللجوء والتكيف مع حياة جديدة.
نيروز ونيفين، ليستا السوريتين الوحيدتين، اللتين مرتا بتجربة عنف قاسية جرتها عليهما الحرب في بلديهما، فهناك سوريات كثر، وهناك سوريون من الرجال، أمير واحد منهم، نجوا بأعجوبة من موت محقق، لكنهم كادوا يقعون فريسة الصراع النفسي، لولا ان وجدوا في معهد العناية بالصحة الاسرية طوق النجاة.
في نهاية العام 2013 وصلت (نيروز) وأبناؤها الخمسة إلى عمان بدون زوجها، الذي لم تكن تعرف مكانه حينها، هاربين من أتون الحرب في قريتهم الواقعة في إحدى مدن شمال سورية.
تقول نيروز (اسم مستعار)، لـ"الغد"، "تم اعتقالي في الرقة من قبل قوات النظام للإفصاح عن مكان زوجي، خلال فترة اعتقالي تعرضت للتعذيب، وبعد خروجي من المعتقل قررت الفرار بأبنائي إلى الأردن، لم افكر حينها في أي شيء، اردت الهرب وحماية أبنائي فقط".
وتتابع: "عند وصولي إلى عمان تمكنت بالمبلغ المالي الذي امتلكه من استئجار منزل في احدى ضواحي عمان، كان وضعنا المادي حينها سيئا جدا، وجدت نفسي مسؤولة عن خمسة اطفال قاصرين، دون معيل، فيما شبح ما حدث معي من اعتقال وتعذيب وتهجير يلاحقني".
وتضيف، "ترك ابني المدرسة لمدة عام، والتحق بإحدى المهن الخطرة كي يتمكن من إعالة الأسرة، لم يكن من السهل ان أرى طفلي بهذا الوضع".
"لقد عشت معاناة نفسية كبيرة دفعتني للتفكير في الانتحار"، تقول نيروز، "أردت ذلك لكني فشلت، بعد تفاقم وضعي النفسي أخبرتني إحدى معارفي من السوريات عن خدمات معهد العناية بصحة الأسرة والذي يقدم خدمات متكاملة للنساء والأطفال بمن فيهم اللاجئون السوريون".
يوفر معهد العناية بالصحة الأسرية، الذي يعمل تحت مظلة مؤسسة نور الحسين والمدعوم من صندوق الامم المتحدة للسكان خدمات الصحة الانجابية، وبرامج الوقاية والاستجابة للعنف المبني على النوع الاجتماعي، فضلا عن الخدمات الخاصة بصحة الأطفال والمطاعيم لجميع المقيمين على أرض المملكة، كما يقدم خدماته للاجئين المحتاجين للرعاية الصحية والنفسية.
نيروز واحدة من السيدات اللواتي استفدن من خدمات الإرشاد النفسي من المركز الرئيسي للمعهد في منطقة صويلح، وتقول عن ذلك: "راجعت الاخصائية النفسية في المركز، لم يكن الامر سهلا في البداية، إلى جانب الجلسات كنت اشارك في مجموعات الدعم والتي كانت تضم سوريات يعانين من مشاكل مختلفة، منهن من تعاني من العنف الاسري وأخريات بلا معيل، كانت تلك المجموعات فرصة للمشاركة والحديث وايجاد الحلول".
وتضيف: "بدأت انظر لحياتي من منظور مختلف، لدي أبناء وهناك ما يستحق الحياة، سجلت عائلتي في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واصبحت اتلقى راتبا شهريا من المفوضية، اعدت دمج ابني بالمدرسة وتوقف عن العمل، كما أن جاراتي الأردنيات لاحظن قدرتي على الخياطة المتقنة، اهدوني ماكينة خياطة، بدأت أعمل عليها في مجال تصليح ورثي الملابس لمعارفي بمقابل مادي بسيط".
بدأت الامور تتغير الى الأفضل مع نيروز التي تقول، "بعد انقطاع عام كامل عن الاتصال مع زوجي، اتصل بي من تركيا واخبرني حينها أنه سيحاول اللجوء عن طريق البحر إلى إحدى الدول الغربية، تمكن من ذلك فعلا بعد عدة اشهر، وحاليا يسعى إلى لم شمل الأسرة في بلد اللجوء".
بعد هذه التغيرات، نيروز تؤكد: "نعم أعيش حالة انتظار اليوم على أمل أن ألتحق بزوجي، لكن حياتي لم تتوقف، أرعى اطفالي واحرص على تعليمهم، والأهم من ذلك أني امد يد العون والدعم النفسي للنساء السوريات المحيطات بي لمواجهة احباطاتهن وتحدياتهن، فقد تمكنت من اقناع 12 معنفة على الالتحاق بالمركز واحرص دائما على نشر الرسائل الإرشادية والنصح".
في المركز ذاته التقت "الغد" مع نيفين (اسم مستعار)، وهي سيدة اخرى، تستفيد من خدمات المعهد النفسية والصحية، نيفين هي الاخرى سورية هاربة من حرب بلادها أتت واطفالها الخمسة وزوجها إلى الأردن مع بداية الأزمة السورية في العام 2011.
تقول نيفين: "مر زوجي بتقلبات عدة في حياته، من الصعب جدا إعالة 5 اطفال أكبرهم في التاسعة، لم يتمكن زوجي من العمل بسبب جنسيته، التحق في اوقات متقطعة بقطاع البناء والانشاءات، لكن فرص العمل محدودة جدا، ولم نتمكن من الحصول على مساعدات نقدية من المفوضية السامية لعدم انطباق الشروط". وتتابع: "الإحباطات المتتالية جعلت من زوجي شخصا عنيفا، ذقت على يده اسوأ أنواع العنف والضرب والإهانة، وانعكس ذلك سلبا على علاقتي مع ابنائي فبت أعاملهم بالأسلوب ذاته وأعنفهم بشكل يومي".
لكنها تستدرك بالقول، "كنت اشعر بالذنب في كل مرة اقدم بها على تعنيف أبنائي.. من خلال مراجعتي للمعهد في العيادة النسائية تم تعريفي بوجود أخصائية نفسية تقدم المشورة حول العلاقة مع الأسرة والأطفال".
"لقد بدأت حضور الجلسات قبل نحو شهرين" تقول نيفين، "خلال تلك الفترة توصلت لقناعة بأن ضرب أبنائي لن يشكل حلا لعلاقتي مع زوجي، أحاول حاليا السيطرة على أعصابي، لكن للأسف لم اتمكن من حل مشكلتي مع زوجي". وتضيف: "اشتركت في مجموعات الدعم النفسي لمواجهة العنف المبني على النوع الاجتماعي، حاولت إشراك زوجي في تلك الجلسات لكنه رفض، ما زلت في مرحلة العلاج، وآمل أن أتمكن من حل مشكلة العنف في أسرتي".
يعمل في المعهد مجموعة من المتطوعين، الذين يساعدون في تعبئة البيانات وتحويل الحالات إلى القسم المعني في المعهد، ومن بين هؤلاء المتطوعين مجموعة من الشباب السوريين.
انضم أمير (اسم مستعار) إلى طاقم المتطوعين قبل نحو عام، يقول أمير، "أول مرة زرت فيها المعهد كانت لطلب المساعدة النفسية نتيجة للظروف السيئة التي مررت بها، وحاليا أعمل متطوعا لمساعدة النساء والأطفال من اللاجئين".
وأضاف: "في منتصف العام 2012 تعرضت للضرب لساعات وتم إطلاق الرصاص علي من مجموعة مسلحة للتأكد أني مت، دخلت في غيبوبة واعتقد الاطباء حينها اني متّ، ولكن العناية الالهية انقذتني عند اكتشاف الطبيب الشرعي أني حي"
ويتابع "تم تسجيلي ضمن الوفيات، وبعدها هربت إلى الأردن حيث استكملت العلاج هنا.. عشت معاناة نفسية كبيرة حيث كدت أن أدفن حيا، استفدت من خدمات الإرشاد النفسي في المعهد وبعدها اصبحت متطوعا فيه".
وعن المهام الموكلة له يوضح (أمير) "استقبل الحالات الجديدة في لقاء اولي يستمر عدة دقائق، اجمع المعلومات المتعلقة بالمراجعين وبعدها اعمل على تحويلهم إلى القسم المعني كقسم النسائية أو الأطفال أو الصحة النفسية أو التحويل الطبي".
يجد أمير في تطوعه فرصة مهمة للمساعدة في تخفيف الألم عن أبناء بلده ومساعدتهم في إيجاد الحلول، يحاول دائما ان يكون مبتسما ومتفائلا كي يبث روح الأمل والفرح في قلوب المراجعين.
الى جانب أمير تتطوع الشابة السورية (نبيلة) ايضا لمساعدة المراجعين، سمعت نبيلة عن حاجة المعهد للمتطوعين فوجدت في التطوع فرصة للبقاء قريبة من أبناء بلدها ومساعدتهم عبر توفير الارشاد لهم.
وتوضح: "في كثير من الحالات يتم استقبال المراجعة على أنها تحتاج لمعالجة طبية معينة لكن بعد الحديث معها يتبين انها تعاني من عنف أسري، وحينها يتم تحويلها إلى خدمات الدعم النفسي والمساعدة".
من ناحيتها تقول الاخصائية النفسية في المركز شيراز النسور إن المركز "يعمل على تقديم خدمات تكاملية ويوفر خدمات صحية ونفسية في الوقت ذاته"، وتوضح، "الخدمات المتكاملة ميزة ايجابية.. في واقع الحال لو كانت الخدمات منفصلة لترددت النساء كثيرا بقبول طلب المساعدة النفسية بسبب الوصمة المتعلقة بهذا الامر والرفض الاجتماعي".
وتضيف "غالبا ما تأتي النساء طلبا للمساعدة الصحية، ونتيجة لبناء علاقة ودية مع كوادر المعهد يتقدمن بطلب المساعدة من الاخصائية النفسية".
وحول ابرز التحديات في التعامل مع النساء تبين النسور ان "الإشكالية الرئيسية تكمن في تقبل العنف واعتباره امرا طبيعيا"، مشيرة الى انه في الغالب "لا تبدي النساء أي رفض للعنف ضدهن، بل يسقن المبررات لهذا العنف كالضغوطات على ازواجهن أو لأنهن قمن بفعل يستحق العقاب".
وتزيد "اما الاشكاليات الاخرى فتتعلق بتقبل الزواج المبكر وحالات الحمل المتكرر والتي غالبا ما تسبب مضاعفات صحية سيئة للمرأة أو تفاقم من سوء الوضع الاقتصادي إلى جانب عدم تعاون الأزواج في كثير من الاحيان للمشاركة في جلسات الارشاد".
وتوضح: "يوميا نستقبل نحو 5 حالات للارشاد النفسي إلى جانب وجود 4 مجموعات دعم نفسي على مدار العام، كل مجموعة تضم 10 سيدات"، لافتة إلى التغيير الكبير في ثقافة النساء نحو تقبل المساعدة والارشاد النفسي.
وبحسب دليل اعداد التقارير الاعلامية المتعلقة بالعنف المبني على النوع الاجتماعي في الأزمة السورية والصادر عن صندوق الامم المتحدة للسكان، والذي يتناول ابرز اشكال العنف تجاه النساء السوريات، فقد ارتفع عدد حالات زواج القاصرات من اللاجئات السوريات في الأردن، من 25 % في العام 2013 إلى 31 % في الربع الاول من العام الماضي.
ولفت التقرير إلى ان النساء هن المعيل الرئيسي لنحو ربع الأسر للاجئين السوريين في الأردن، وان نحو ثلث هؤلاء النسوة لا يغادرن منازلهن مطلقا أو نادرا جدا عند الضرورة.
كما ذكرت النسوة في التقرير أن العنف الاسري تزايد بشكل كبير مع النزاع، وان نحو نصف النساء السوريات في الأردن عانين من شكل من اشكال العنف الأسري.