إضاءه مشرقه في تاريخ روما
على الرغم من انقضاء نحو الفي عام على جريمة قتل القاضي الفذ "بابنيان"في اروقه القضاء بروما الا ان تلك الجريمه مازالت حيه يتردد صداها حتى يومنا هذا.
هذه الجريمه التي ارتكبها طاغية عصره امبراطور روما "كركلا" عندما اوعز لجنوده بقتل القاضي الشجاع "بابنيان " عندما اصدر حكمه العادل بحق الطاغيه "كركلا" بعد اعترافه بارتكاب جريمه بقتل اخاه "جيتا" منافسه على عرش الامبراطوريه وكان اعترافه صريحا الى حد انه أدلى به امام الهيئه القضائيه العليا وهي مجلس شيوخ روما .
الا ان "بابنيان"لم يتردد في النطق بحكمه العادل وظل ثابت الجأش صارخا في وجه الطاغية المجرم :"صعب على الناس ان يغفروا لقاتل " ....مستحيل على العداله ان تخلي سبيل مجرم اعترف صراحة وعلانية بقتل ضحيته
فان الموافقه على الجريمه معناها ان تقتل الضحيه مرتين ... وعندئذ ادرك "كركلا"مصيره المحتوم فبادر الى جنوده بقتل القاضي امام مجلس الشيوخ فهجم الجنود على القاضي فقتلوه فورا... الا انه اتهمهم عندما استخدموا فأسا بدلا من السيف وعم الحزن مجلس الشيوخ بل وساد الحزن في كل انحاء روما على النهايه المفجعه للقاضي الشجاع المعروف عنه ، انه اول قاضٍ ومحام ومشرع في التاريخ .
وبقي ان نعرف ان "بابنيان" هو سوري المنبت والمولد فقد ولد في مدينة حمص من اسره فينيقيه وقد كان له الفضل الكبير في تأسيس اول مدرسه في بيروت لتدريس الحقوق وكانت هذه المدرسه هي الاولى من نوعها في تاريخ البشريه حيث اسست عام 1870م فكان "بابنيان" قد الف لطلابه اول كتاب في الحقوق اسماه "الاجوبه" ليكون مرشدا ومعينا لهم في حياتهم المهنيه وذاع صيت مدرسه بيروت للحقوق فوصفها الامبراطور الروماني المعروف "جوستينيان" بعد اربعة قرون بانها "ام القوانين ومرضعتها".
وكان القاضي "بابنيان" قد اضطر لترك مدرسته عندما استدعته الامبراطوره "جوليه دمنه"وهي قريبه ،وهي طبعا سوريه الاصل لتولي القضاء والتشريع في روما .وكانت"جوليه"قد اعتلت عرش المبراطوريه في اعقاب وفاة زوجها الامبراطور (سفيروس)وهو سوري الاصل ايضا من مواليد شمال فلسطين .
يذكر ان الامبراطوره "جوليه" قد عقبت ولدين وهما "كركلا" و"جيتا " وبنتين وهما "مامايا"و"ميساء" وقد تولى جميع الابناء عرش روما باستثناء المغدور "جيتا" .
وما اردنا ان نسوق قضية القاضي "بابنيان" الا لنجعلها تذكره لمن اراد ان ينتفع بها من قضاة اليوم وقضاة المستقبل ايضا ،لما فيها من قيم واضحه ففيها انتصار لشرف المهنة وتجسيد لقيم العداله والنزاهه الاخلاقيه...ولعلها تساعدنا في قياس المسافه مابين ماضينا وحاضرنا ... وصولا لحكم سديد فهي تذكره لمن اراد الانتفاع بها .
ورحم الله ماضينا المشرق ... وعزز حاضرنا وجلعه اكثر اشراقاً