من يشعل الحرائق في العالم؟

الأرض أيضاً تصاب بالجنون. إنه جفاف الحب، صقيع الخير وتجمد عاطفة البشر إلى ما تحت درجة الصفر، ليقول الإنسان للإنسان: قبل أن تقتلني، أمهلني دقيقة كي أسامحك. لكن آذان الشر لا تسمع أنين الروح، وعيونه لا ترى الدمع في عيون الضحية. صوت التفجيرات يطغى على كل صوت، شهية الدم مفتوحة على مصراعيها، والوحش يكاد يقول للقاتل تباً لك ماذا أبقيت لي؟
المنطقة العربية مستهدفة، أوروبا مستهدفة، وأميركا تحت التهديد، من له مصلحة في إشعال الحرائق في العالم؟ من المخطط ومن المنفذ؟ وما النتيجة المبتغاة من هذه الحرب، نعم هي حرب، لكن بين من ومن؟ منذ تفجيرات نيويورك، ودول استنزفت ودول اهتزت، وما زالت.
كانت تبريرات «القاعدة» في تفجيرات نيويورك، نقل المعركة إلى عقر دار «الغرب الكافر»، فإذ بدور ملايين العرب تدمر فوق رؤوس ساكنيها، ومدن تتحول إلى ركام، ومواطنون في بلادهم يصبحون لاجئين في دول الغرب والشرق، تارة يبتلعهم البحر، وتارة يقتلهم البرد. تداخلت السياسة مع الرصاصة، والمصالح الشخصية مع المصالح الوطنية وأصبح عدونا «منا وفينا»، ونحن القاتل والمقتول، الجاني والضحية.
أصبح منا الظلاميون والمدعون وأعداء الإسلام باسم الإسلام، ومن كان يريد محاربة «الكفار»، صار المسلمون في عقيدته المبنية على الذبح والحرق والسبي، هم الكفار!
أما «الكفار» في نظر داعش، وقبلها «القاعدة»، وجها العملة المشبوهة الواحدة، فقد تأثرت اقتصادياتهم وانهار بعضها (اليونان)، وبعضها انخفضت قيمة عملاته وأرسل أبناءه إلى القتال خارج حدوده، ولم يعد المواطن آمناً على نفسه في المطعم والقطار والملعب والمسرح (تفجيرات باريس). السؤال الكبير: من له مصلحة في خلق هذا العداء بين العرب والغرب من ناحية، ومن ناحية أخرى، إلحاق الضرر في كل من الطرفين في وقت متزامن ليضرب عصفورين بحجر واحد؟
قبل قيام «إسرائيل» وتأسيس الحركة الصهيونية العالمية، وعلى مدى قرون، كان اليهود في دول أوروبا مكروهين، يعيشون في غيتوهات معزولة عن فئات المجتمع. وقد ارتبط اليهود في الوجدان والواقع الأوروبيين بالتجارة، وأصبحت كلمة يهودي ترادف كلمة «تاجر» أو«مرابي»، فتاجر البندقية (شايلوك) هو مرابي البندقية أو يهوديها.
لقد عاش اليهود في مسام المجتمع الإقطاعي، واستمدوا منه وجودهم الاقتصادي والمادي، ويحاول اليهود إكساب أنفسهم صبغة قومية، فهم يعتبرون أنفسهم جماعة قومية دينية لها لغتها وتراثها. ويحددون مقومات القومية اليهودية في عناصر تشمل العرق والدين والتقاليد، والعرق عنصر واضح في كل ما يشكل الشخصية اليهودية، وبهذا، تؤكد الصهيونية على عنصريتها، وهي بهذا تتطابق تطابقاً تاماً مع النازية، التي اعتبرت العرق عنصراً هاماً من عناصر التفوق الآري على بقية شعوب الأرض، بمن فيهم اليهود.
ويدحض ادعاء اليهود بوجود رابطة قومية تربطهم معاً، ذلك «التشرذم الذي يعكس الاختلافات العميقة في الشخصية اليهودية، بحسب كل قطر من أقطار أوروبا، وأهم ملامح هذا التشرذم، هو الانقسام التاريخي بين الإشكنازيم والسفارديم: الأولون من أوروبا الشرقية والوسطى، والآخرون من أوروبا الجنوبية، وبين الإشكنازيم انقسامات فرعية لا تحصى، بسبب كثرة الأقطار التي جاؤوا منها: ليتوانيا، بولونيا، روسيا، أوكرانيا، ألمانيا، البلقان، أما السفارديم فيفخرون بأن سوء لفظهم للسان المقدس، هو وسيلتهم للعلو على المنوعات اليهودية الأجنبية».
وقد ظهرت موجة النقد والسخرية من الشخصية اليهودية المرابية المنافقة المحتالة في روائع الأدب البريطاني، خاصة عند ويلز وبيلوك وشو وشكسبير وديفو ومارلو وجرانفيل. إضافة لإشارات تولستوي وتورغنسيف وغوغول وغيرهم من كبار الروائيين والكُتاب الروس بصورة سلبية لشخصية اليهودي، فإن واحداً من أعظم الروائيين في العالم، وليس في روسيا فقط، وهو دوستويفسكي، كرس جزءاً مهماً من أعماله، خاصة منزل الأموات ودفاتر السجن، لنقد الشخصية اليهودية، حتى إن اليهود اعتبروا هذه الأعمال، المؤسس الحقيقي لما يسمونه (معادة السامية)، ويقصدون اليهودية.
لقد لعب اليهود دوراً مزدوجاً في الحرب العالمية الأولى والثانية، وثمة من يقول إنهم كان لهم دور في إشعال معظم الحروب في العالم، من خلال استغلال النزعات الطائفية والدينية لدى الشعوب الأخرى (داعش مثالاً)، تماماً كما يحصل الآن. ومن المؤشرات أن داعش التي تنفذ أعمالاً وحشية ضد العرب والغرب، لم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل!
(البيان 2015-11-20)