إنها الخليل

لأنها الخليل، عاصمة المقاومة والغضب، وشعلة الأمل. لأنها الخليل، حكمة الشيوخ وعنفوان الشباب. لأنها الخليل معذبة الصهاينة وبيوتات البطولة، فلأنها الخليل لن تمروا... ولن تناموا ليلكم طويلا، حتى لو استدعيتم كل جيوشكم، وكل دباباتكم، وكل القتلة لديكم.
إنها الخليل، التي قال فيها شاعرها عزالدين المناصرة: "عندما يبلغ النهر أعلى الجبال... تكون الخليل رعودا مجلجلة، ثم برقا تكون الخليل... تكون الخليل شرر"، وقال: "ناديت يا حجر الخليل... كن نجما أو نيزكا أو كهرباء... كن طائرا منقاره كالمقصلة".
إنها الخليل بمدنها وقراها، وبأهلها، وهم كما قال شاعرهم: "ورِثوا النخوةَ جيلاً بعدَ جيلْ... لا تسَلْني... فبديهي يا حبيبي... إنَّهمْ أهلُ الخليلْ... قامةٌ مثل النخيلْ... إنْ دعا الداعي يهبُّوا... والبُراقْ، تلكَ للدنيا دليلْ".
تقتحمون إذاعة صوت الخليل لإسكات صوتها، ولكن هيهات. تستدعون لواء كاملا لتطويق المحافظة، ولكن هيهات، فقد كتب الخليلي صفحة جديدة من صفحات التاريخ، وأراد أن يطرز ما كتبه بأحرف من نور، أحرف صنعها من حب الوطن، دافعه الاستقلال، وقلبه يلهج بعشق فلسطين، كل فلسطين... فالخليلي يريد كل قرى محافظته المسلوبة، يريد ارضه كلها، لا فرق عنده بين حدود 1967 وحدود 1948، فكل البلاد بلاده، وكل الأرض أرضه، يريد القبيبة، بيت جبرين، الدوايمة، ذكرين، تل الصافي، برقوسيا، بيت نتيف، دير ابان، دير نخاس، رعنا، زكريا، زيتا، عجور، كدنا، ومغلس، بموازاة حلحول، دورا، الظاهرية، السموع ويطا وغيرها. كما يريد حرمه الإبراهيمي، غير مقسم، ولا يزاحمه عليه أحد.
احرسوا مستوطناتكم المغروسة على أرض ليست لكم، ناموا مفتوحي العين، عيشوا قلقكم، فتشوا كل مار أمامكم، فقد قالت الخليل كلمتها، فأنتم استعمار آن له أن يرحل، وأنتم قتلة آن لهم أن يأخذوا عقابهم، ونازيون آن للعالم ان يعرف جرائمكم، ودمويون تحرقون الأطفال، وتعتدون على النساء، وآن الأوان ليقال لكم كفى، فارحلوا من نسيم صباحنا، ارحلوا من معرشات عنبنا، ارحلوا من زقاق مدينتنا القديمة.
تعتقدون أن عسكركم يحميكم، وأن إسكات صوت إذاعة محلية، يؤمّن الحماية لكم، ولكنكم لا تعرفون أن خلف كل "سنسلة" في الخليل مقاوما، وأن في كل كرم عنب يولد من يرفضكم ويرفض وجودكم على أرضه.
لستم دعاة سلام، كي نصدقكم، فقد جربناكم في السلم، فأبت عنصريتكم وصهيونيتكم وحقدكم أن يفارقكم، فقتلتم المصلين ساعة الفجر، وأعدمتم العمال بدم بارد، واستبحتم المقدسات، ومنعتم رفع الأذان، وقسمتم حرم الخليل، فكيف لنا أن نصدقكم؟ كيف لنا أن نؤمن بسلمكم؟ وقد خبرناكم سنة خلف سنة!
ألا تعرفون أن الحُر لا ينسى مغتصب أرضه، قاتل ابنه، ميتمه، فلتعلموا أن الأب يحكي لأبنائه، والجد يروي لأحفاده، والأم تنسج لبناتها حكاية عشق الوطن، حكاية لا تنتهي أبدا، ما دام هناك مستعمر يربض على أرضه.
هاتوا كل الوية جيشكم القاتل، طوقوا كل الخليل، فتشوا كل بيت، فهذا الإرهاب الذي تمارسونه سيولد جيلا يكرهكم لانكم مغتصبون، وقتلة نازيون، "فشّوا غلكم" بغلق محطة إذاعية، عيثوا فيها فسادا وتدميرا، ولكنكم لا تعرفون أن صوت الحق أكبر من كل الاذعات، أكبر منكم، ومن كل العالم، الذي لا يرى حتى اليوم ماذا تفعلون! وكيف تقتلون!
فيا "أيها المارون بين الكلمات العابرة"، إنها الخليل، انتفضت، رفضتكم، وتريد لفظكم من ثنايا أرضها، وكروم عنبها، فخذوا قطعان مستوطنيكم وارحلوا، ولملموا خوفكم واحتموا بأسلحة جيشكم الثقيلة، واخرجوا من الخليل، ومن كل مدينة فلسطينية تحتلونها، ومن كل فلسطين.
لن تُسكتوا إرادة شعب أراد الحياة، فانتفض عليكم، شعب ردد مع شاعره عز الدين المناصرة: "خليلي أنت يا عنب الخليل الحر... إن اثمرت كن سُما على الأعداء... كن علقما"، فهل وصلتكم الرسالة؟!
(الغد 2015-11-25)