إسقاط سيخوي 24 الروسية نقطة تحول في مراحل الصراع
تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات إستراتيجية يمكن وصفها بالدراماتيكية، بعد دخول الروس فعلياً بالعمليات العسكرية في سوريا، وما تبعها من ردود أفعال دولية وإقليمية، منها ما يستنكر ومنها ما يؤيد، بينما آثر البعض الصمت على تحديد موقفه من التدخل الروسي, وأياً كانت المواقف المعلنة للدول فإنها لا تعبر عن حقيقة الممارسات الفعلية للدور الذي تلعبه تلك الدول على الساحة الشرق أوسطية، ولا يصح القول بأن هناك عملية خلط للأوراق تتم في هذه المرحلة, بقدر ما هو كشف للأوراق على الطاولة وخاصة بين الدول الفاعلة في الملف السوري، فالشركاء كثر وجميعهم متفقون على وئد الإرهاب والإرهابيين، لكنهم مختلفين على الوصف والهوية، فهناك من يصف بعض الفصائل بالمعارضة المعتدلة, بالوقت الذي يضعها الطرف الأخر على قائمة الإرهاب, وحتى النظام السوري وهو محور الخلافات اختلف فيه الفرقاء, وكلتا الحالتين السابقتين يمكن تبريرهما وإيجاد المسوغات الدافعة لتمسك كل طرف بوجهة نظرة, ولكن الشيء الذي يدعوا إلى الشك والريبة هو أن كل الإطراف صنفت الدولة الإسلامية ( داعش) وحددت هويتها الإرهابية منذ نشأتها وحتى يومنا هذا, إلا أن تفاعلات الدول اتجاه هذا التنظيم يكتنفها الغموض, فكل من الأمريكان والروس يشكك في ادعاءات الآخر بجدية استهدافه لداعش, ناهيك عن الممارسات الإيرانية والإسرائيلية والتركية في ذات القضية. ما يؤكد أن الصراع في سوريا صراعاً دولياً تقوده دول عظمى وما الإطراف المتناحرة على الأرض السورية إلا دمى تشابكت خيوطها بين أصابع الاشتراكية والليبرالية. وما إسقاط الطائرة الروسية من نوع سيخوي 24 صباح اليوم 24 تشرين ثاني إلا تأكيد على بداية كشف الأوراق بين أطراف الصراع الحقيقيين, اختراق الطائرة الروسية للأجواء التركية قبيل الشهر ومعاودة الاختراق رغم تعهد الروس بعدم تكرار الحادثة، ومع إصرار الأتراك على إسقاطها حسب قواعد الاشتباك المتعارف عليها دوليا يعني أن طرفاً يسعى إلى سحب الآخر إلى المستنقع السوري وتوسيع منطقة الصراع, وتحويل الأدوار من الدور ألاستخباراتي إلى الدور العملياتي, ويصح هذا التحليل إذا ما ثبت فعليا ما تناقلته بعض وسائل الإعلام حول الحديث الجانبي بين الرئيس الأمريكي باراك اوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في انطاليا التركية, وما تضمنه اللقاء من إملآءات أمريكية من شأنها تقزيم الدور الروسي في دول الاتحاد السوفيتي السابق وسوريا. الأيام القادمة ستحدد وتيرة تسارع أو تباطؤ التحول اتجاه التصعيد الدولي ليضم شركاء جدد في الاقتتال على الساحة السورية، وهي مرحلة اصطفاف المصالح التي لا تقبل فيها المواقف الرمادية مع الخيار الاستراتيجي لمحاربة الإرهاب إن كان هو الغاية والمقصد، أو قد تكون أبعد من ذلك إن كان البعد الاستراتيجي لصناعة الإرهاب يتمحور حول إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية، بحيث يعاد ترتيب مراكز الثقل في التوازنات الإستراتيجية ومناطق النفوذ التابعة لها.