كلمة حق لم نقلها

تم نشره الأحد 29 تشرين الثّاني / نوفمبر 2015 12:39 صباحاً
كلمة حق لم نقلها
فهمي هويدي

هذه كلمة حق تمنينا أن نسمعها من أي مسؤول عربي، لكنها جاءتنا من جنوب أفريقيا. لم تكن الأولى من نوعها حقا، لأننا سمعناها من قبل على لسان وزيرة خارجية السويد، وتوقعنا أن يلتقطها أحد في عواصمنا العربية، لكن ظننا خاب حيث لم يكن للكلمة صدى يذكر. أتحدث عن الربط بين الجريمة الإرهابية التي وقعت في باريس يوم ١٣ نوفمبر وبين استمرار ممارسات الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين المحتلة. وهو ما تحدث عنه بصراحة وشجاعة رئيس جنوب أفريقيا جيكوب زوما أثناء اجتماع له مع الزعماء اليهود في جوهانسبرج. إذ قال إن الهجمات التي تعرضت لها باريس لفتت الانتباه بشدة إلى ظاهرة الإرهاب العالمي، الذي تعاني منه بعض الدول الأفريقية (ذكر منها كينيا ومالي ونيجيريا والكاميرون)، أضاف أن تلك الهجمات أينما وجدت تسلط الضوء على تعثر عملية السلام في الشرق الأوسط. وذلك أنه ما عاد ممكنا أن نتوقع تحقيق السلام المنشود طالما ظلت القضية الفلسطينية بلا حل. وما لم تقم الدولة الفلسطينية على أساس حدود عام ١٩٦٧ مع القدس الشرقية كعاصمة لها فإن الأمل في السلام سيظل بعيدا، وستظل أصداء العنف والإرهاب تتردد في كل مكان.

هذا الذي قاله الرئيس زوما سبق أن عبرت عنه وزيرة خارجية السويد مارجوت وولستروم التي نقل التليفزيون الرسمي لبلادها (إس. في تي) يوم ١٤/١١ ردها على سؤال بخصوص بعض الشبان السويديين الذين يقاتلون في صفوف داعش. ومما قالته إن: لدينا أسبابا تدعو إلى القلق ليس في السويد فقط، ولكن في أماكن أخرى من العالم يسلك فيها كثيرون طريق التطرف. وأشارت إلى ما يحدث في الشرق الأوسط قائلة إنه نموذج لذلك، حيث لا يرى الفلسطينيون أي أمل لهم في المستقبل، لذلك فإنهم أصبحوا مخيرين بين أن يرضخوا للوضع اليائس المفروض عليهم أو أن يلجؤوا إلى العنف. وهو الكلام الذي أزعج «إسرائيل» بشدة، حتى وصفه المتحدث باسم الخارجية بأنه «صفيق بشكل مريع» وقال إن الوزيرة تظهر عداء صريحا ل»إسرائيل» حين تسعى إلى الربط بين الهجمات التي حدثت في باريس وبين الوضع المعقد الحاصل في الشرق الأوسط.

رئيس جنوب أفريقيا ووزيرة خارجية السويد عبرا عن وعي عميق بحقيقة النموذج الذي قدمته «إسرائيل» سواء في إقامتها للدولة أو في سياساتها التي تتبعها في الأراضى المحتلة. ذلك أن كل الجرائم التي ارتكبها الإرهابيون المنتسبون إلى الجماعات الإسلامية في المنطقة تتصاغر إلى جانب ما فعله المشروع الصهيوني لإقامة دولة «إسرائيل». إذ باستثناء ما فعله المهاجرون الأوروبيون بالهنود الحمر في الولايات المتحدة فإننا لم نعرف جماعة إرهابية مهما بلغت قوتها أو دمويتها نجحت في اغتصاب وطن بالكامل وتشريد شعبه وإحلال شعب آخر مكانه مثلما فعلت «إسرائيل». وكل وسائل التنكيل والقتل والاقتلاع والإبادة التي لجأت إليها أعتى الجماعات الإرهابية، سبق أن ارتكبتها العصابات الصهيونية في الأربعينيات، ومازالت الدولة الإسرائيلية تواصل ذلك النهج إلى اليوم. كانت بوليفيا على حق حين صنفتها في العام الماضي دولة إرهابية. إذ ليس ثمة فرق يذكر في المضمون (الاختلاف في الإخراج فقط) بين ممارسات داعش وبين جرائم المستوطنين التي ترعاها الدولة الإسرائيلية، التي أصبحت تنفذ عمليات الإعدام في الشوارع وأجازت أخيرا محاكمة الأطفال وسجنهم بعد اتهامهم بإلقاء الحجارة على جنود الاحتلال.

لقد شاءت المقادير أن تتزامن تصريحات رئيس جنوب أفريقيا مع بث القناة الثانية الإسرائيلية في ١٣/١١ الحالي شريطا قصيرا (شاهدناه) وثق عملية اغتيال الموساد للقيادي الفلسطيني محمود المبحوح في دبي خلال شهر يناير عام ٢٠١٠. إذ بعد انكار استمر خمس سنوات أعلنت «إسرائيل» عن أن رجالها هم الذين قتلوا القيادى الفلسطيني، وإن اغتياله استغرق ٢٢ دقيقة وتم عبر حقنه بمادة سببت له شللا في عضلات جسده وأدت إلى توقف جهازه التنفسي مما تسبب في وفاته على الفور. وقد أديرت العملية بواسطة شبكة اتصالات عالية التقنية بين المنفذين اتخذت من العاصمة النمساوية فيينا مقرا لها. منذ تأسيسها في عام ١٩٤٨ وذلك أحدث دليل يؤكد أن الدولة الإسرائيلية لم تتوقف عن ممارسة القتل والاختطاف والتدمير وإحراق الجثث وكل ما يمكن تصوره من انتهاكات تعد جميعها جرائم ضد الإنسانية.

بكلام آخر فإن «إسرائيل» التي كانت جرائم النازية بحقها من العوامل التي ساعدت على إقامتها، عمدت منذ تأسيسها إلى تقديم نموذج لمختلف ممارسات الإرهاب وتجلياته. وهو ما أدركه أصحاب الضمائر الحية الذين لم يروا فيها سوى دولة إرهابية ومدرسة علمت الجميع ولقنتهم دروسا في ممارسة الإرهاب بمختلف صوره.

ما يشعرنا بالخزي والحزن في ذات الوقت أنه في حين تشير أصابع بعض الساسة الشرفاء من غير العرب إلى دور النموذج الإسرائيلي في إشاعة الإرهاب في المنطقة، فإن ذلك الربط غاب تماما عن الخطاب السياسي والإعلامي في العالم العربي. والأدهى من ذلك والأمر أن بعض دول المنطقة اعتبرت «إسرائيل» شريكة معها في مكافحة الإرهاب، وقبل أيام قليلة (في ٢٧/١١) نشرت صحيفة هاآرتس خبرا عن افتتاح ممثلية إسرائيلية جديدة في إحدى دول الخليج، في فعل فاضح جديد يبارك الإرهاب الإسرائيلي ويؤيده.

(السبيل 2015-11-29)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات