الفلسطينيون بين الأقوال والأفعال

تم نشره الخميس 03rd كانون الأوّل / ديسمبر 2015 12:41 صباحاً
الفلسطينيون بين الأقوال والأفعال
عوني صادق

في التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1947، أقرت الأمم المتحدة، الهيئة الممثلة ل«الأسرة الدولية»، أو ما يسمى أيضاً «المجتمع الدولي»، المدافعة عن «حقوق الإنسان» والوصية على «السلام والأمن الدوليين»، قرار «تقسيم فلسطين». وبلغة أوضح، قرر من لا يملك منح من لا يستحق أكثر من نصف وطن الشعب العربي الفلسطيني؛ لشراذم من شذاذ الآفاق! وبعد سنة ونصف من ذلك القرار، كانت «الدولة» التي أنشأها قد انتهكته واستولت على 78% من أرض فلسطين، وهي اليوم تضع يدها فعلياً على 100% من أرض فلسطين تأكيداً لاحتقارها للقرار وللهيئة الدولية التي قررته وتالياً ل«المجتمع الدولي» كله!

بعد ثلاثين سنة من ذلك القرار، قررت الأمم المتحدة اعتبار ذلك اليوم يوماً عالمياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وكأنما تقدم ما يشبه الاعتذار عما اقترفته في حق الشعب الذي لم يتوقف يوماً عن النضال والتضحية، من أجل إلغاء القرار الجائر! وقد يخيل للبعض أن هذا الإجراء جاء ليصحح «المجتمع الدولي» الجريمة التي ارتكبها، وليعيد للشعب الذي وقع عليه الجور بعضاً من حقوقه، ولا نقول كل حقوقه. لكن الأيام والسنين أثبتت عبث التعلق بهذا الوهم، لأن الأمم المتحدة كانت يوم قرار التقسيم؛ وهي اليوم مجرد أداة لمتآمرين لا يهمهم الحق ولا يهتمون بالسلام، بل فقط بمصالحهم ومصالح صنائعهم وأولهم دولة الاغتصاب «إسرائيل»!

فالولايات المتحدة، راعية «عملية السلام في الشرق الأوسط»، التي مازالت تتمسك بها القيادة الفلسطينية كوسيط لاسترداد بعض الحقوق، تنحاز للكيان الغاصب داعمة سياساته وجرائمه ونهمه الذي يتعاظم كل يوم لحرمان الشعب الفلسطيني من كل حقوقه. وسجلات الأمم المتحدة تحتفظ باستعمالها (الفيتو) فقط (79) مرة منذ 1947 لصالح «إسرائيل»، ودفاعاً عن عدوانيتها وانتهاكها المستمر للقانون الدولي، ولكل القرارات التي صدرت عن المنظمة الدولية لصالح حقوق الشعب الفلسطيني، وأولها حقه في تقرير مصيره! وكل «المجتمع الدولي» مازال خاضعاً للسياسة الأمريكية المنحازة! لذلك، فإن «التضامن مع الشعب الفلسطيني» هو واحد من أساليب التضليل والخداع، وهو إن كان لا يزيد على يوم واحد في السنة، فإنه لا يتجاوز بعض الكلمات التي تجتر نفسها، وينتهي مفعولها قبل أن تصل إلى مسامع المتضامنين أنفسهم الذين يعرفون أن أحداً لم يعد يعلق أي أمل على مثل هذا التضامن.

إن القرارات التي صدرت لصالح الشعب الفلسطيني في ما يقرب من سبعين سنة بعد وقوع الجريمة لم يغير من واقع القضية البائس شيئاً، ولم يقدم أفقاً لأي حل عادل لها. وفي آخر تصريحات رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، والذي جاء في «يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني»، ويا للمفارقة، قال: «لن نعطي السلطة الفلسطينية ولا متراً واحداً من الأرض»! جاء هذا التصريح في إطار الحديث عن رشوة مقترحة لدفع السلطة الفلسطينية للعمل على وقف الهبة الشعبية المندلعة منذ أول أكتوبر/تشرين الأول الماضي!

الشعب الفلسطيني يعرف جيداً من خبرته أن الكيان الغاصب لم يقم ولم يصبح حقيقة واقعة على الأرض إلّا كثمرة للتآمر الاستعماري عليه، ويعرف جيداً أيضاً أن «ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة». وتأكدت هذه المعرفة بعد التوقيع على «اتفاق أوسلو» وكل التنازلات التي قدمت للعدو في السنوات اللاحقة، حيث لم يحصل على شيء بل خسر الكثير من الأرض والأرواح والكرامة أيضاً! وإذا كان جيل النكبة والجيل الذي تلاه قد عجزا عن مواجهة المؤامرة، فإن الأجيال اللاحقة باتت تعرف أن لا خيار لها إلّا مقاومة الغاصب بالمتاح من الأدوات والأسلحة، ولكن أساساً بالرفض الحازم والحاسم لنوايا الاستسلام لدى القائمين على الأمور حتى اليوم. هذا ما تقوله هبة الشباب الذي لا يعول على تضامن زائف من أي جهة جاء، عربية أو غربية، أو إسلامية!

في يوم التقسيم، ولا أقول يوم التضامن، يستدل على جدارة الموقف الذي يسجله شباب فلسطين هذه الأيام، ذلك الخوف، بل الهلع الذي ينعكس على المستوطنين، وفي تصرفات جنود النخبة في الجيش «الإسرائيلي»، والتخبط في المستوى السياسي الحاكم، وأيضاً في التشاؤم الظاهر في الصحافة «الإسرائيلية»، وخصوصاً تلك الآراء التي وإن كانت قليلة إلّا أنها تمثل شريحة أقدر على استشراف المستقبل ترى أن السياسة «الإسرائيلية» والتمسك بالاحتلال وسياساته وإجراءاته تقود دولتهم إلى الدمار الشامل، والمسألة ليست إلّا مسألة وقت!

في يوم التاسع والعشرين من كل نوفمبر/تشرين الثاني نتذكر تقسيم فلسطين، يوم وضعت فيه المؤامرة للتطبيق الفعلي. ولن ينفع في هذا المقام اعتذار تقدمه بريطانيا، أو الغرب الاستعماري الذي لم يغادر مواقع التآمر على الشعب الفلسطيني حتى اليوم، ولن ينفع تخصيص يوم لاستذكار الجريمة المستمرة باسم «التضامن».

وبالرغم مما يوحي به «الوضع القائم» من يأسٍ أو عبث، فإن قوى الشعب الفلسطيني الوطنية، وفي المقدمة أجيالها الجديدة التي ترى وهي على حق تماماً، أن مهمتها الراهنة هي منع الاستسلام للمخططات «الإسرائيلية»، ومن ثم الاستمرار في مقاومتها من دون وضع النتائج القريبة موضع التساؤل. ذلك لأن الأهم من ذلك هو إبقاء القضية الوطنية حية وعلى الطاولة، وعدم منح الكيان الغاصب أي شكل من أشكال الشرعية... والهبة الشعبية الحالية ليست آخر المسار على هذه الطريق!

(الخليج 2015-12-03)

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات