تجربة المبادرة النيابية في العمل البرلماني

عندما تشكّلت كتلة "المبادرة" النيابية بهندسة من د. مصطفى الحمارنة، كانت تطوراً لافتاً في عرف وتقاليد العمل البرلماني الأردني. كان السياق الذي طرحت فيه "المبادرة" هو السياق السياسي الذي يسعى إلى تطوير الحكومة البرلمانية التي كانت حكومة د. عبدالله النسور تجسدها كتجربة أولية.
وليس هناك مناسبة لتقييم تجربة "المبادرة" النيابية بشكل خاص. لكن التقرير الذي نشرته حول تجربتها وعلاقتها مع الحكومة وإنجازاتها، هو حافز لإلقاء نظرة سريعة على هذه التجربة.
بصرف النظر عن الموقف من طروحات وآراء "المبادرة" التي هناك تباين حولها، إلا أنه من الجدير تسجيل بعض الملاحظات المهمة حول هذه التجربة:
أولاً، استطاعت كتلة "المبادرة" أن تحافظ على تماسكها بوصفها كتلة، بالرغم من الظروف والتحديات التي واجهتها، والهجوم الذي تعرضت له في العديد من الحالات أو المواقف التي كان من الممكن أن تؤدي الى تفككها. لكنها صمدت طوال الفترة الماضية، واستمرت في عملها.
ثانياً، "المبادرة" بوصفها كتلة، أبدت درجة كبيرة من الديمقراطية الداخلية في عملها؛ إذ كانت تتغير وتتبدل رئاستها والناطقون باسمها بشكل منتظم. وقد تكون هذه هي الحال في بعض الكتل الأخرى، لكن كانت هناك أيضاً فرصة لاستمرار شخص في رئاستها، إلا أن ذلك لم يتم. وهذا يكرّس تقليداً مهماً في العمل الجماعي.
ثالثاً، يسجل لـ"لمبادرة" أنها لم تزعم أنها تعرف الحلول للمشكلات كافة التي تواجه الأردن؛ فانخرطت، بشكل موسع، مع فاعليات مجتمعية متنوعة، مثل مؤسسات المجتمع المدني، والأكاديميين، والمتخصصين في جميع المجالات التي عملت عليها. ومن ثم، فإن الحلول التي طرحتها في قضايا التعليم والصحة والطاقة وغيرها، كانت ثمرة لقاءات مكثفة مع هذه الفئات. وعليه، فهي تمثل طروحات جماعية وليست فردية.
رابعاً، إن تقديم "المبادرة" تقريراً وإعلانه للجميع، عن إنجازاتها والصعوبات التي واجهت عملها مع الحكومة، ينطوي على درجة من الشفافية والمكاشفة، بخاصة في رصد الإنجازات والإخفاقات التي واجهتها. وكنا نتمنى أن يشير التقرير ليس فقط إلى إخفاقات الحكومة في عدم الالتزام بالاتفاقيات التي توصلت إليها مع "المبادرة"، بل الإشارة أيضا إلى أسباب أخرى قد تكون أدت لذلك.
خامساً، هي تجربة جديدة أن تقوم كتلة ليست الأكبر بكل المقاييس، في ربط تأييدها للحكومة ببرنامج معين بدلاً من أن تكون مبنية على تحقيق مطالب محددة لقواعد الكتلة الانتخابية؛ وربما يكون هذا قد تمّ أيضاً، لكن وجود برنامج متفق عليه يشكل خطوة مهمة في العلاقة بين الحكومة والبرلمان. فالعادة أن يكون للحكومة برنامج، تؤيده الكتل النيابية أو تعارضه. لكن أن تأتي الكتلة، كما هي الحال مع "المبادرة" وتقوم بالاشتباك "الإيجابي" مع الحكومة، فهذا شيء جديد على الحياة البرلمانية في الأردن.
وكما اتضح من التقرير الذي قدّمته "المبادرة"، فإن الطريق لم تكن معبدة بالورود بين الحكومة والكتلة، وكانت هناك نجاحات وإخفاقات في العلاقة، وهذا شيء طبيعي في العمل السياسي. وقد تكون هناك حاجة لتقييم متأنٍ لتجربة "المبادرة" النيابية في علاقتها مع الحكومة. لكن من أهم ما يميزها أنها ارتكزت على منطلقات فكرية وسياسية في نظرتها للإصلاح السياسي من واقع التجربة، وهو ما سماه مهندس "المبادرة" بـ"الطريق الثالث".
التحديات التي تواجه "المبادرة" مستقبلية؛ إذ إن الدورة الحالية للبرلمان ستمتد لأشهر، ومن المحتمل أن تجرى انتخابات برلمانية في العام المقبل أو بداية العام الذي يليه على أبعد تقرير. والتحدي يكمن في قدرة "المبادرة" على تشكيل كتلة انتخابية أو حتى حزب سياسي تخوض به ومن خلاله الانتخابات المقبلة؛ وهذا سيكون، من دون شك، إنجازاً مهما.
(الغد 2015-12-03)