حكومة "نكد العيش"!

ليست بداية جيدة تلك التي سلكتها حكومة د.عبدالله النسور في مستهل عامها الرابع. فرفع سعر أسطوانة الغاز بمقدار نصف دينار، وزيادة رسوم ترخيص السائقين والمركبات بأثر رجعي، سينتجان واقعا صعبا جديدا، يضاف إلى مستوى الغلاء الراسخ في الحياة الاقتصادية قبل هذين القرارين، وبما يجعل قدرات التحمل لدى جمهور المستهلكين في حال معقدة.
عشرات السلع والخدمات أقدمت الحكومة على رفع أسعارها بنسب عالية، بحيث يبدو أنها ليست معنية بآثار ما تفعله على شرائح واسعة من الشعب، وبحيث تزيد تلك السياسات والقرارات من نكد العيش على الأردنيين كافة.
توقيت القرارات عجيب أيضا. فمن جهة، تبحث الحكومة في التعداد الذي تجريه عن معلومات اقتصادية في غاية الأهمية لاسناد التخطيط الاستراتيجي المقبل. وبالتزامن مع ذلك ترفع الحكومة سعر اسطوانة الغاز وترخيص السائقين والمركبات، ما ينتج سلبية جديدة في العلاقة الهشة بين الحكومة والشارع. فثقة الرأي العام بالحكومة في أدنى مستوياتها بعد سياسات اقتصادية طالت جيوب المواطنين وعززت من الجباية، فكيف ستحصل الحكومة على نتائج دقيقة وثرية في ظل هذا الجو المحتقن بينها وبين المواطنين؟
في الاتجاه الآخر، تبدو الحكومة أيضا معزولة، لا تدري بما يحيط بها في الواقع على الأرض! ففي بيوت الأردنيين التي تضج بالشكوى والمرارة، يعني رفع سعر أسطوانة الغاز نصف دينار عبئا ثقيلا على رب أسرة ينفق على دراسة اثنين من أبنائه في الجامعة، وراتبه لا يتجاوز 500 دينار. وفي مواقع التواصل، تتصاعد حالة الغضب ضد ما تفعله الحكومة، عبر رسائل ومواقف لا لمعارضين، بل لشخصيات من صلب الدولة.
حتى مجلس النواب الذي يتفاجأ بقرارات الرفع دوما، شأنه شأن رجل الشارع، عبر عن غضب -متأخر كالعادة- تجاه ما تفعله الحكومة، فوقع 73 نائبا عريضة لطرح الثقة بحكومة د. النسور. غير أنني أشك في قدرة المجلس على الإطاحة بالحكومة، فالخبرات السابقة لردات فعل المجلس كشفت لنا ضعفا وذرا للرماد في العيون حيال التعامل مع الملفات السياسية والاقتصادية الكبرى ذات الصِّلة بعيش المواطن ومستقبله.
بقناعة ليست مبنية على الانطباعات، وإنما على الأرقام والمؤشرات والقرارات، أستطيع القول ان الحكومة الحالية فشلت في سياساتها الاقتصادية فشلا ذريعا، وأنها في عزلة حقيقية عن الشعب الأردني. وهي تتسبب بكل يوم إضافي في عمرها بنكد عيش يصعب الشفاء منه أو تجاوزه.
(المصدر: الغد 2015-12-05)