اصحاب السماحة والنيافة والدولة والمعالي والعطوفة يلتقون داخل قاعة محصنة ضد التصنت
المدينة نيوز - كتب خالد محادين - في الأردن، وفي الأردن فقط، تستطيع أن تدير قرص الهاتف أو تضغط على أزراره، وتتحدث إلى أحد الخياطين طالبا منه أن (يفصل) لك بذلة أنيقة لمناسبة أنيقة، ودون أن تذهب اليه أو تدعوه لزيارتك لمعرفة قياساتك، وإذا كنت تعتقد أن هذا الامر غير ممكن، فعليك أن تراجع وعيك وقدراتك العقلية، فالحكومة التي تفصل للأردنيين قانون انتخاب على مقاساتها لا على مقاسات الأردنيين هي أكثر عبقرية من الخياط الذي (يفصل) لك بذلة دون اطلاع او معرفة سابقة بقياساتك، والنتيجة في الحالتين واحدة، فإما ان تكون بذلتك في قياس شاب طوله متر وأربعون سنتيمترا ووزنه خمسون كيلو غراما، وإما ان تجيء في قياس لاعب كرة سلة طوله متران ووزنه تسعون كيلوغراما، هكذا بالضبط تم تفصيل قانون الانتخاب الجديد لملايين الاردنيين، دون معرفة مقاساتهم أو الاطلاع على اهتماماتهم، او الاستماع الى آرائهم، هذا اذا كانت الحكومة الرشيدة الراشدة قد فصلت القانون ولم يأت اليها على C.D وكل ما فعلته انها نقلت محتوياته الى الورق!!
(هذه اولى ملامح عبقرية حكومتنا الرشيدة الراشدة
أما ثاني هذه الملامح ، فقد جلس الأردنيون قرب وحول الدوار الرابع، بينما اصحاب السماحة والنيافة والدولة والمعالي والعطوفة يلتقون داخل قاعة محصنة ضد التصنت، وتسخن المناقشات وتتضاد الآراء، وتتلاقح المقترحات، والابواب والنوافذ مغلقة، حتى لا يتسلل ارنب أردني او حشرة أردنية أو دجاجة أردنية مصابة بالانفلونزا الى القاعة ويراقب المشهد ويستمع للحوارات والمناقشات، ثم ينطلق الدخان الابيض من مدخنة الرئاسة معلنا ان الطفل السوي قد ولد، وأنه ابن حلال، وأنه ليس طفل انابيب أو سفارات، وأنه مكتمل الصحة والعافية وله عينان زرقاوان، وأن والده ووالدته لم يلتقيا في فراش حلال، وانما وضعا طفلهما الذي هو ابن شرعي للحكومة المبجلة، دون حضور مأذون او شهود او اقامة افراح او توزيع بطاقات او تلقي هدايا، ومبرر هذه السرية والكتمان ان الحكومة تعرف مصلحة المواطن اكثر منه، وان هناك عداء متبادلا وكرها متبادلا وحقدا متبادلا وغضبا متبادلا بين الاردنيين وحكوماتهم – خاصة هذه الحكومة- التي لم تظهر منذ هبوطها على مدرج الدوار الرابع ادنى درجة من الاحترام لنا والحرص علينا والرحمة بنا، ومع انني أشك في ان اللجنة الوزارية التي شكلت لوضع قانون الانتخاب قد عقدت جلسة واحدة، وانما قبلت به بالصيغة التي وردت إليها والنصوص والمواد التي وضعت امامها من قوى محلية وقوى دولية تتشارك مع الحكومة في ازدرائنا وحرماننا حتى من مجرد ابداء الرأي في قانون هو الاكثر اهمية بعد الدستور والذي سيرسم ملامح بلدنا وشعبنا ومسيرتنا المستقبلية.
في اليوم الثاني لصدور القانون، الذي سيظل مؤقتا حتى يرث الله الارض ومن وما عليها، تحركت الماكينة الحكومية للترويج لقانونها العصري- كما تقول- وخرج علينا سياسيو كل حكومة وكتبة كل حكومة وعملاء كل حكومة ببيانات ومقالات وأغاني تثير الشكوك حول امكانية سرقة قانوننا من قبل دول غير ديموقراطية مثل بريطانيا وفرنسا والسويد والدانمرك، وتطبيقه في هذه البلدان لأننا اغفلنا تسجيله باسمنا وحماية حقوق المؤلف الذي هو الحكومة من سرقته من قبل آخرين كثيرين، فماذا قالت ماكينة الحكومة وكتبتها وأبواقها وسياسيوها والطامعون في مناصبها وجوائزها.
1- القانون يعبر عن ارادة المواطنين ويمكنهم من اختيار ممثليهم بنزاهة وشفافية (أرجو قراءة هذا الكلام عشرين مرة لا مرة واحدة) ونطرح السؤال: هل هناك دول ديموقراطية تتحدث عن النزاهة والشفافية أم ان هذا الحديث هو المحاولة المحكومة بالفشل من قبل الدول والحكومات التي تحترف التزوير وسرقة مواقف الناخبين وخياراتهم، ومنذ اول انتخابات تشريعية شهدها بلدنا ونحن – أعني المسؤولين-نتحدث عن هذه الشفافية وتلك النزاهة مع ان الحكومات ظلت تعتبرهما رجسا من عمل الشيطان.
2- توسيع قاعدة تمثيل المرأة، وهنا فإن هذه القاعدة ضمنت للحكومة اثني عشر صوتا ستاتيا من اعضاء مجلس النواب، فتجربة الكوتات اكدت لنا عبر الانتخابات الأخيرة ان النساء اللواتي ينجحن بمئات الاصوات، انما تحصل عليها نساء لا علاقة لهن بالفكر والسياسة وهن شبه أميات يضعن بصماتهن على كل مقترحات وقرارات وعرائض الحكومة.
3- إعادة تشكيل اللجان المشرفة على العملية الانتخابية كيف؟ بتعيين قاض نائبا لرئيس اللجنة، وفي الاقطار الديموقراطية فإن رئاسة لجان الاشراف تسند الى قاض وليس الى محافظ او متصرف او مدير ناحية هو اولا واخيرا موظف حكومي يعمل لمصلحة الحكومة لا لمصلحة المرشحين والناخبين، وهذا الثوب الجميل المتمثل في اختيار قاض لتولي منصب نائب رئيس اللجنة ليس قادرا على تغطية البشاعة والتزوير والسلوكيات غير الديموقراطية والتدخلات غير الدستورية والقانونية التي اعتدنا عليها في كل انتخابات تشريعية.
4- قال دول الرئيس – ويمكن العودة الى ارشيف وكالة الانباء الاردنية والصحف حتى لا اتهم بالكذب، قال بالحرف الواحد: الحكومة نظرت في جميع الاراء والمقترحات التي اطلعت عليها من بعض الاحزاب والمنظمات ومراكز البحث والمفكرين والكتاب والشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية وكل فئات الشعب الأردني في المدن والقرى والبادية والمخيمات، لم ينقص هذا التأكيد الرسمي سوى اضافته كلمتين هما: الاحياء منهم والاموات، ويعرف الجميع أن الحكومة لم تهتم بأي رأي ولا استمعت لأي اقتراح ولا اظهرت ادنى احترام لابناء الشعب الاردني الطيب، وماذا يريدون من قانون هو لهم ولا يجوز ان يكون للحكومة وحدها وتمنيت على دولة الرئيس لو لم تكتنف المبالغة حديثه عن مشاورات الحكومة التي لم تشمل مواطنا اردنيا واحدا، بل ولم تذهب الى المقابر الكبرى في عواصم محافظاتنا لاستطلاع آراء الموتى منا بعد ان تم اهمال آراء الاحياء فينا.
اذا أجريت الانتخابات، واشك شخصيا في اجرائها، لانها تسبب وجعا لرأس الحكومة التي لم يوجعها فقرنا وافقارها لنا وبطالة ابنائنا وبناتنا، والفتك الرخيص بنا، وفقداننا الاحساس بالأمن والطمأنينة، فإن مجلس النواب القادم سيجيء كله بنمر حمراء، أي انه سيكون مجلس بصمجيه بأصابع كل نائب العشرين، واذا نجح بعض المرشحين غير الحكوميين في اختراق الجدار العنصري الحكومي، فسيكونون قلة لا مسؤول واحد يهتم بها او يمكنها من قول كلمتها واعلان مواقفها.
من بين ما صرح به مسؤولون حكوميون وكتبة حكوميون وعملاء حكوميون ومتكسبون حكوميون، أن قانون الانتخاب الجديد هو نسخة مشفوفة شفا عن القانون البريطاني، ولكننا جميعا ندرك أن القانون الجيد لا يمكن تطبيقه بمسؤول سيء، وان القانون السيء لا يمكن تطبيقه بمسؤول جيد، ولهذا فإنني ومثل غالبية الاردنيين نقبل بهذا الزعم، وان قانون الانتخاب الاردني هو ترجمة عربية عن قانون الانتخاب البريطاني، وحتى لا نذهب في الخبث والتشكيك بسير العملية الانتخابية ونتائجها، فانني أتساءل: هل الحكومة التي ستشرف على انتخاباتنا تملك صفة واحدة من صفات الحكومة البريطانية التي تشرف على انتخاباتهم، هل رئيس وزرائنا مثل رئيس وزرائهم وهل وزير داخليتنا مثل وزير داخليتهم وهل السادة محافظونا نسخة طبق الاصل عن محافظيهم وهل اجهزتهم الأمنية في كفاءة وحيادية أجهزتنا الأمنية، القضية اذا ليست مجرد قانون ولكن الاكثر اهمية كيف يتم تطبيقه بكل الاحترام للاراء والسياسات والمدارس والنزاهة ودون شن حروب علنية وخفية ضد هذا المرشح او ذاك او لمصلحة هذا المرشح او ذاك.
بعد يوم واحد من اغلاق باب الترشيح يستطيع الاردنيون ان يعلنوا قائمة الناجحين حتى قبل ان تجري الانتخابات، ربما تكون نسبة الخطأ لا تتجاوز 1% وهي مقبولة حكوميا.
دولة الرئيس
دولتك وعطوفتي ينتميان الى عائلات صغيرة العدد، وليس الى عشائر كبيرة بعشرات الالاف من المواطنين، والكركيون يصفون المحادين بأنهم لا يملأون حمولة تراكتور، لهذا فإن زج ابن عمي في السجن أو التفكير بزجي سأعتبره محاولة حكومية للابادة الجماعية، والحكم علينا سينظر اليه المجتمع الدولي كعمل خطير يستهدفنا ديموغرافيا، لهذا يجب أن نستند الى بعضنا البعض لا ان نتربص بعضنا البعض، ولهذا فإننا لا نفكر في الترشح كما تعودنا والقليلون منا يذهبون الى صناديق الانتخاب، لأننا نؤمن بأن علينا ان نطيع الله وأولي الامر، وأن الخيرة فيما تختاره لنا الحكومة من وزراء ونواب، رضينا بهذا القدر الاعمى او رفضنا.