التخندق أم الحوار؟

تم نشره الأربعاء 09 كانون الأوّل / ديسمبر 2015 12:29 صباحاً
التخندق أم الحوار؟
مروان المعشر

ما تزال حالة التخندق تحكم العلاقة بين الدولة والأحزاب الدينية. وقد أَلقيت محاضرة الأسبوع الماضي، في مقر حزب جبهة العمل الإسلامي، بدعوة كريمة منه، لأنني أؤمن أن الوقت قد حان للحديث بصراحة ومن دون حساسيات لإبراز التخوفات الموجودة لدى المجتمع المدني العلماني (لا الإلحادي) من إمكانية تغول حزب جبهة العمل الإسلامي في حال وصوله للسلطة، على نمط حياة الناس؛ ولحثّ الحزب على اتخاذ موقف واضح من الدولة المدنية الديمقراطية. وذهبت أيضاً للحديث عن ضرورة تطوير مشروع حداثي مستقبلي مدني ديمقراطي من القوى كافة في المجتمع، للوصول إلى الاستقرار والازدهار المستدامين.

قيل كلام كثير في الجلسة. سُئلت أسئلة صريحة ببال العديد من الناس في مجال التزام الحزب بالتعددية السياسية والدينية والمجتمعية في إطار المواطنة المتساوية الحاضنة للتنوع. واستمعت إلى إجابات صريحة أيضاً، وكان الحضور منوعاً وغير مقتصر فقط على الحزب. بعضه التقى معي في موضوع المواطنة المتساوية، وبعض آخر، خاصة من خارج الحزب، رفض عقداً اجتماعياً مدنياً، وقال إن الدين وحده من يحدد مكانة من يعيش على هذه الأرض.

كان النقاش حضارياً في جله، وحادا في بعض الأحيان، لكنه عكس وجود فجوة الثقة بين العديد من القوى العلمانية والدينية التي تحاول كل منها إنكار الآخر أو إلغاءه. لم يجرِ حتى الآن حديث وطني معمق بشأن نظرة هذه القوى لبعضها بعضا، ونظرة كل منها لشكل الأردن المستقبل. وما نزال في مرحلة التخندق؛ كل يريد إقصاء الآخر أو إنكاره الدرجة نفسها من الحقوق والواجبات. وما دامت حالة التخندق والإنكار هي المهيمنة على طريقة تفكير القوى العلمانية والقوى الدينية السياسية، فلن نتمكن من التأسيس لأردن مستقبلي يتسع لأبنائه وبناته كافة.

نحتاج إلى عقد اجتماعي جديد، يطمئن جميع القوى إلى مكانها في المجتمع، ويضمن عدم تغول فئة على فئة، وعدم تميز مواطن عن آخر تحت غطاء الدين أو أي غطاء آخر، حيث لا تكون مواطنة الفرد الكاملة منة من أحد، بل حق يمنحه الدستور للجميع، ويكون نمط الحياة لأي مواطن خيارا يمارسه بحرية من دون إكراه؛ لا من الدولة ولا من أي فئة أخرى. ويحمي هذا العقد ويشرف على تطبيقه جلالة الملك، كقائد موحّد يحمي المجتمع من الانزلاق نحو أي حالة استقطاب، كما جاء في أوراق الملك النقاشية.

اليوم ينقصنا الاستعداد للجلوس إلى طاولة واحدة والاستماع للآخر؛ وأنا اقول ذلك للجهتين، وبغض النظر عن مدى ثقة كل جانب بالجانب الآخر. والثقة تبنى بالإصغاء، ثم بالاتفاق على القواسم المشتركة، ثم بالاتفاق على الاختلاف في المواضيع المتعذر التوافق حولها، ثم بالتطبيق في إطار عقد اجتماعي يحترم هذه الاختلافات ويعطي للجميع مكانة. ولا يتأتى ذلك إلا في إطار المواطنة المتساوية الحاضنة للتنوع؛ هي وحدها تشكل الإطار الكلي إن كنا نريد بناء إطار مدني ديمقراطي. وكما كان يردد الزعيم السوري الكبير فارس الخوري: الدين لله، والوطن للجميع.

الإقصاء اليوم يمارس من الجانبين؛ فبعض الآراء المتشددة في تفسيرها للدين تنكر على العلمانيين حقوقا متساوية، تقابلها آراء متشددة من بعض العلمانيين لا تثق بالقوى الدينية، وتحاول تحجيمها بالأساليب القمعية. وقد حان الوقت لمغادرة هذه الدائرة المغلقة.

فجوة الثقة سبب كاف وحده لبلورة عقد جديد يحميه جلالة الملك. أما التخندق، فلن يلغي الآخر، وسيؤدي في النهاية إلى صدامات مجتمعية غير محمودة العواقب. تونس استطاعت الوصول لمثل هذا العقد عندما أدركت القوى كافة فيها ضرورة خروج الجميع من خنادقهم. نستطيع أن نفعل ذلك أيضاً، خاصة ونحن نملك مظلة هاشمية شكلت دوماً الضمانة الأهم لفئات المجتمع كافة. فلنخرج من دائرة الترقب هذه، ونمشي قدماً لأجل بلد جميعنا يريد له الخير والازدهار.

(الغد 2015-12-09)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات