ثقافة شعب وحكومة

الشعوب مصنفة بموجب أنماط حياتها الاجتماعية وطبيعة العلاقات الراسخة في المجتمعات التي تعيش فيها، والأمر يميز العلاقات التبادلية بين الأفراد ومدى ما بها من التزامات فطرية، باعتبارها ثقافة شعب وأخلاق مجتمعية عامة، وفي ضوء الواقع الاقتصادي للدول تتحدد الصفات العامة، منتجة ما يوازي الذي يتحقق من رفاه وترسيخ حقوق ووجبات عامة، وكذلك تعزيز مفهوم الدولة والانتماء، وعليه تكون الشعوب حضارية او متخلفة، وليس هناك ما بين ذلك وانما أنماط مشوهة غالبا ما تكون أقرب للمتخلفة. وبالإمكان القول اليوم ان كذبة الدول النامية تكشفت عن تكريس لتخلف شعوبها؛ انعكاسا لسطوة دول الرفاه الاقتصادي المتحقق بوسائل السيطرة والتحكم بالشعوب، لتظل على حالها طالما تحقق مزيدا من التخلف لصالح مزيد من التقدم للشعوب المستقرة على ثقافات متجذرة بعناوين العلم والاخلاق والحق والواجب والمساحة العامة للعدالة الاجتماعية.
ليس من ضمن التصنيفات للشعوب الوصف بفقير او طيب ومسكين، ولا عنيد او صلب او بكشرة، أو أن هناك شعوبا خفيفة ظل وموصوفة بالفكاهة والمرح، او أن توجد شعوب ظالمة وأخرى رحيمة، كما أنه لا توصف بالغبية او الذكية بالاطلاق، ولا توجد شعوب متدينة بالكامل واخرى غير مؤمنة. وبالمجمل فإن الشعوب يميزها تاريخها الثقافي والقدر الذي بنت فيه عليه او المدى الذي فيه هدمته وتراجعت عنه.
المتغير والثابت في أخلاق الشعوب وثقافاتها يستقر في المحصلة على انماط العلاقات الاجتماعية والتصرفات الفردية العامة، وهي في الدول المتحضرة أساسها احترام حقوق الغير وعدم التعدي عليها كشكل عام، والامر يخص التفاعل في الشارع والاماكن العامة وكل ما هو مهيأ للجميع ليكون لهم باولية الحق والزمن الذي يتم تحديده من المستفيد على اساس حضوره ومن قبله او بعده دون اعتداء او سرقة وقت او محاولة الاعتداء عليه، فليس ممكنا عند شعب متحضر التجاوز في الممنوعات والمحددات، ولا السماح بالازعاج او الاساءة لكل ما هو عمومي في الشارع وغيره.
أكثر الشعوب المتحضرة مقابل الحالات التاريخية الثقافية ما يحدث يوميا، الزوامير، الباعة المتجولون بأبواقهم، تجاوز السرعة والتسابق على الاشارات والقدرة بين المسارب، ومواقف الباصات التي هي أي مكان، ونظافة وصلاحية الارصفة، والبسطات، وتراكمات وسط البلد، ومشاهد البيع في الحسبة، والاعتداءات السافرة على أماكن المشاة، وقذارة الشوارع، وما يجري في المدارس من إهمالات، وترك الأولاد في الازقة لساعات متأخرة، المخدرات سرا والكحول للصغار، الاعيرة النارية وحمل السلاح، العداوة العامة بين الناس كل من سيارته مقابل الاخر، البيع بلا رقابة وبلا نسب ارباح محددة، الاسعار بلا حساب، ونوعية الغذاء والدواء، الاستيراد من الصين بصلاحية شهر للمستوردات، والقائمة تطول لنقول ان الشعب الاكثر ثقافة على الاطلاق بسبب رعاية الدولة المشغولة دائما بنصف دينار واكثر من ذلك بفلسات الرفع والتنزيل للمحروقات، رغم أن المليارات هي التي تميز الشعوب وليس فراطة الجيب التي تلاحقها الحكومة وتبحث عنها كمخزون استراتيجي.
(السبيل 2015-12-10)