أحفاد ألف ليلة وليلة

سيذوب قلبك كمدا وأسى إذا كان فيه بقية باقية من عروبة وإسلام وهو يشاهد الفيلم القصير الذي أعدته مبادرة ألف اختراع واختراع 1001 Inventions التي انبثقت عن مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة في بريطانيا بتمويل سخي من المحسن عبد اللطيف جميل وأولاده صاحب المبادرات والأيادي البيضاء في الوطن العربي وخارجه، وتهدف الى إحياء التراث العربي الاسلامي، وإبراز إسهامات العرب والمسلمين في مجال العلوم والاختراعات التي ورثها الغرب وبنوا عليها حضارتهم العلمية وثورتهم الصناعية، كما تهدف الى تحسين صورة العرب والمسلمين في الغرب ونفي ما التصق بهم من التطرف والتخلف.
في أقل من ربع ساعة يأخذك الممثل الشهير السير بن كنجزلي مع مجموعة من التلاميذ في رحلة قصيرة من العصور الوسطى المظلمة بالنسبة للحضارة الأوروبية Dark Ages الى العصور الذهبية وعصور العلم والانفتاح للمسلمين Golden Ages في الحضارة التي امتدت في القرن السابع وما تلاه من الأندلس حتى الصين ليخبرك أن أجدادك كانوا أول من اخترع الأدوات الطبية والجراحية، والمحركات والاسطرلاب والساعات والكاميرات وأول من فكر بالطيران، ويعرفك بعلماء كالجزري والزهراوي وابن الهيثم وعباس بن فرناس والعالمة مريم الاسطرلابي ليثبت لك أن الأغريق والرومان ليسوا وحدهم سادة الحضارة وأن أجدادك العرب والمسلمين تربعوا على عرش العطاء والانجاز الحضاري في يوم من الأيام.
جهد جبار ورؤية ثاقبة وعمل دؤوب بدأ بفكرة البروفيسور سليم الحسني وزملائه التي تحولت الى مؤسسة وموسوعة توثيقية وجناح لعرض اختراعات المسلمين في متحف العلوم في العاصمة لندن Museum of Science، حتى الغرب أحنوا الرأس إجلالا لعظيم الانجاز، فهم ليسوا دائما متآمرين علينا في كل شيء، والحقيقة عندما تكون جلية لا يستطيع أحد إخفاءها فالشمس إن سطعت لا تُغطى بغربال.
لقد عرفنا الغرب قديما والمستشرقون من قصص ألف ليلة وليلة والحريم والبلاد التي تفيض لبنا وعسلا وذهبا أسود وبهارات وبخورا ورجالا يتنقلون بين أحضان النساء، وكان المشرق دائما تلك الأرض الغامضة الساحرة التي تنتظر من يفك أسرارها وطلامسها، وأهلها برابرة أجلاف بحاجة للعلم والتمدن فهم كحي بن يقظان ظل طريق البشرية وعاش في مملكة الحيوان، فجاءت هذه المبادرة وغيرها لتقول ان للقصة رواية أخرى، وأن العملة لها وجه آخر.
لقد وددت يا سيدي الحسني لو أننا نستطيع أن ننتسب الى هؤلاء الأجداد ونقولها للغرب بالفم الملآن دون الاحساس بعقدة النقص والدونية كلما وقفنا أمامهم، ولكن كيف ذلك والجامعات عندنا لا تبلغ معايير التصنيف الأكاديمي العالمي في المئة الأولى، وان نجحنا في الوصول فلا نكون الا في ذيل القافلة؟!
كيف ننتسب إليهم ولغتنا العربية أصبحت غير منتجة للمعرفة لأن أهل العربية لا يقرؤون ولا يكتبون ولا يحسنون الحديث بها كما يدلل تقرير المعرفة العربية، وعليهم أن يستبدلوها باللغة الانجليزية إذا أرادوا تحصيل العلم والعمل والمكانة الاجتماعية.
لا.. لسنا أحفاد هؤلاء العلماء أصحاب الألف اختراع واختراع، نحن أحفاد ألف ليلة وليلة، أحفاد ألف قناة وقناة فضائية، أحفاد ألف فضيحة وفضحية أخلاقية واقتصادية وسياسية، أحفاد ألف برج وبرج، أحفاد ألف توريث وتوريث، أحفاد ألف فساد وفساد.
لا.. لسنا نحن الولد الصالح الذي أنجبه هؤلاء العلماء ولم تصلحنا صدقتهم الجارية ولا علمهم النافع!
كم آسف أن هذا الجهد العظيم سيقع على قلوب ران عليها الخذلان والركون والدوار في دوامة الدنيا، وآذان صماء لا تسمع الا السفاسف والتهريج
ليس هذا زمن العلماء، هذا زمن الفنانين والمغنين والرياضيين، ولا بأس لو كان الأمر متوازنا مع وجود العلماء، ولكن العلماء عندنا أصبحوا طفرة وجينا متنحيا لا يظهر حتى في الشدائد.
لا نملك أن نقول كان أبي وكان تاريخنا ولا حتى في معرض الافتخار.. فالهوة واسعة بين ما كان وما آل إليه الحال.
قيل انه كان يُكتب على مدخل كل مدرسة في الأندلس هذه العبارة «الدنيا تستند الى أربعة أركان: علم الأفاضل وعدل الأكابر ودعاء الصالحين وجلال الشجعان» فهل بقي لنا منها شيء حتى نرث مجد الأندلس وعلومها؟
وصدق الشاعر إذ قال:
هزمنا يوم ضاع الدين منا أليس الكفر مصدر الانهزام؟
(السبيل 2015-12-14)