الافتاء الأردني : " انت ومالك لأبيك " لا يجوز تفسيره بأن الأب يملك مال ابنه
المدينة نيوز :- قالت دائرة الافتاء الأردنية ان الابن لا يخرج الزكاة عن والده، ولا الابن عن أبيه، وأن الأب يرث من ابنه نصيبًا مفروضًا، ولو كان المال له لوجب أن يأخذه كله ولا يقتصر على هذا القدر .
واضافت في فتوى لها : ان الله لما فرض للأب ميراثه من ابنه فجعله كوارث غيره، وقد يكون أنقص حظا من كثير من الورثة: دل ذلك على أن ابنه مالك للمال دونه .
وتالياً نص الفتوى والسؤال :
السؤال :
ولد كفل والدَه بقرضٍ حسن مقابل أن يقرضه جزءًا مِن مبلغ القرض، وقد قام بسداد هذا الجزء بطريقة الخصم من راتبه الشهري لصالح الجهة المانحة للقرض، وبعد سداده للمبلغ الذي استدانه راجع والدَه لكي يقوم بدوره بسداد بقية المبلغ، لكنه رفض، وقال: عليك بسداد كامل القرض، واستدل بالحديث الشريف: (أنت ومالك لأبيك). أرجو بيان الحكم الشرعي في ذلك؟
الجواب :
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
جعل الله تعالى لكل من الأب والابن ذمة مالية مستقلة، بدليل أن الابن لا يخرج الزكاة عن والده، ولا الابن عن أبيه، وأن الأب يرث من ابنه نصيبًا مفروضًا، ولو كان المال له لوجب أن يأخذه كله ولا يقتصر على هذا القدر، وعلى هذا اتفق جميع أهل العلم.
ولذلك فلا يجوز تفسير الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ) رواه أحمد في "المسند" (11/ 503) لا يجوز تفسيره بأن الأب يملك مال ابنه على وجه الحقيقة، أو أن له التصرف فيه كيفما يشاء دون علم الولد ورضاه، فهذا القول لم يقل به أحد من العلماء ألبتة.
بل معنى الحديث أنه إذا احتاج الأب إلى مال الولد للنفقة - بأن كان فقيراً - أخذ منه قدر الحاجة كما يأخذ من مال نفسه، وإذا لم يكن للابن مال وكان قادرًا على الكسب لزم الابن أن يكتسب وينفق على أبيه، وليس المراد بالحديث إباحة مال الابن على إطلاقه للأب أن يأخذ منه ما يشاء.
على أن بعض أهل العلم قد ضعفوا هذا الحديث:
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: "لم يثبت -يعني حديث: (أنت ومالك لأبيك)-، فإن الله لما فرض للأب ميراثه من ابنه فجعله كوارث غيره، وقد يكون أنقص حظا من كثير من الورثة: دل ذلك على أن ابنه مالك للمال دونه" انتهى. "الرسالة" (ص/468)
وقال أبو حاتم الرازي: "روي من أوجه أخر موصولا لا يثبت مثلها، وأخطأ من وصله عن جابر" انتهى. "التلخيص الحبير" (3/ 1217)
وقال الإمام البيهقي رحمه الله: "روي موصولاً من أوجه أخر، ولا يثبت مثلها" انتهى. "السنن الكبرى" (7/ 480)
وعلى فرض صحته فالجواب عنه ما سبق، ويؤكد مثل هذا الجواب ما يُروَى من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولادكم هبة الله لكم (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور) فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها) رواه الحاكم في "المستدرك" (2/ 284) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
فانظر كيف قيَّد الحديث بقوله: (إذا احتجتم إليها)، فلا يجوز للأب الغني أن يأخذ مال ابنه بالطريقة المذكورة في السؤال، بل يجب عليه أن يسد القرض الذي أخذه منه، إلا إذا كان الأب فقيرًا ويحتاج للنفقة في حاجاته الأساسية، فإن له الحق في مال ابنه بما يسد حاجته، وله أخذه ولو دون رضاه، وعلى هذا المعنى فقط يحمل الحديث الشريف.
يقول ابن عبد البر رحمه الله: "ليس على التمليك، ولكنه على البر به، والإكرام له" انتهى. "الاستذكار" (7/ 525).
ويقول ابن الأثير رحمه الله: "على معنى أنه إذا احتاج إلى مالك أخذ منك قدر الحاجة، وإذا لم يكن لك مال وكان لك كسب لزمك أن تكتسب وتنفق عليه، فأما أن يكون أراد به إباحة ماله له حتى يجتاحه ويأتي عليه إسرافا وتبذيرا فلا أعلم أحدا ذهب إليه" انتهى. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 834)