فرنسا.. هل اندحر اليمين المتطرف

ترجع نتائج حزب الجبهة الوطنية المتطرف في الدور الأول من الانتخابات الجهوية بفرنسا، الأحد 06 ديسمبر 2015، إلى رد فعل سيكولوجي من طرف الناخب الفرنسي. فالضربة الإرهابية وسط باريس في 13 نوفمبر الماضي أفقدت الناخب الفرنسي صوابه فأراد تنبيه القيمين على حساسية الأمن القومي بتصويت عقابي ضد الاشتراكيين لصالح الحزب اليميني المتطرف.
ردة فعل سرعان ما أعادت النقاش الأساسي حول قيم الجمهورية الفرنسية وأولوياتها الداخلية والخارجية، قيم أساسية ومنفتحة أرادت مارين لوبان تذويبها في برميل من التخوفات والتوجسات من الإسلام والمهاجرين ومن فقدان الهوية الوطنية.
اعتداءات باريس في 13 نوفمبر الماضي رجحت كفة اليمين المتطرف في الدور الأول من الانتخابات الجهوية، لكن مرشحيه تلقوا ضربة قاضية أسقطتهم في الدور الثاني.
إنها مفارقة التواريخ، فبعد أن استيقظ المواطن الفرنسي من صدمة 13 نوفمبر الإرهابية، قضى على الأحلام السياسية لكل من زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان وابنة شقيقتها ماريون ماريشال لوبان ومساعدها القوي فلوريان فيليبو، بالتصويت ضدهم في انتخابات يوم الأحد 13 ديسمبر.
صحيح أن حزب الجبهة الوطنية يوجد على الساحة السياسية بفرنسا منذ ثلاثين سنة، لكنه دأب على تغذية خطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، واستغلال حق المواطن الفرنسي في الشغل والأمن، لإذكاء نار العنصرية ضد المهاجرين، دون أن يقدم حلولا مبتكرة وواقعية للأزمات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.
والسؤال المطروح هل سيخبو نجم هذا الحزب المتطرف بعد نكسته في الانتخابات الأخيرة، ويرتاح الكل من خطابه التحريضي؟ الجواب جاء على لسان رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس، بقوله إنه “ليس هناك ارتياح ولا انتصار، مادام خطر اليمين المتطرف قائما”. وبتمردها صرحت لوبان أنه “لا أحد ولا شيء يوقف زحف حزبها”.
لكن المواطن الواعي بخطر اليمين المتطرف جعل من التصويت ضد مشروعها السياسي هدفا مقدسا، بعدما داهم حزب الجبهة الوطنية الانتخابات الجهوية في الدور الأول وحصد 40 في المئة من الأصوات.
إن انتزاع اليمين الجمهوري لسبع مناطق من أصل 13، منها تلك التي كانت محسوبة على اليسار، يجعلنا نؤكد أنها مقدمة ستمكن حزب نيكولا ساركوزي من فرض نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2017.
وبذكائه السياسي التقط زعيم “الجمهوريون” نيكولا ساركوزي، اللحظة الانتخابية تقربا من المواطن الفرنسي المتوجس من مستقبل ضبابي، ويقول إنه “يجب تكريس الوقت اللازم لدراسة القضايا التي تشغل بال الفرنسيين، مثل مسألة أوروبا والبطالة والأمن والهوية”. ولتسويق نفسه وحزبه أمام الرأي العام حسم برنامجه السياسي بالقول “ليكن الفرنسيون على يقين من أننا سنقدم حلولا في مستوى الرهانات”.
لوحظ أن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان قفزت على جثث ضحايا الهجمة الإرهابية التي ضربت باريس، وجعلت من نفسها قيّما على سياسة الدولة الفرنسية بتحديد الصديق من العدو بمخزون كبير من الكراهية، عندما اقترحت بمكر في عز الجرح الفرنسي تغيير تحالفات فرنسا. وفي نظرها كل الذين يحاربون الأصولية الإسلامية يجب أن يعتبروا حلفاء دون أي تحفظ. بالطبع مارين لوبان لا ترقى إلى مستوى رجال الدولة الذين يضعون مصالح مواطنيهم بكل جنسياتهم ضمن تفكيرهم الاستراتيجي وعند اتخاذهم القرارات المصيرية.
اختارت مجلة تايم الأميركية المستشارة الألمانية انجيلا ميركل شخصية للعام 2015. برفض المستشارة الألمانية إغلاق الحدود في وجه تدفق اللاجئين ودعوتها لاحترام الأديان، تكون هي الوجه النسوي المناقض لخطاب زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، ما جعل من رئيسة تحرير مجلة تايم نانسي غيبز تشهد أن “ميركل نموذج لقيادة أخلاقية ثابتة في عالم يفتقر إليها”.
تصريحات مارين لوبان المتطرفة ألب عليها جزءا كبيرا من الرأي العام المحلي والدولي، ما جعل رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس يقول قبل الدور الثاني من الانتخابات الجهوية، لقد “وصلنا إلى لحظة تاريخية الأساس فيها بالنسبة إلى بلدنا هو الاختيار بين خيارين. أحدهما اليمين المتطرف الذي يمثل الانقسامات بشكل أساسي.. انقسام قد يؤدي إلى حرب أهلية”. تصريح خطير من مسؤول رفيع، جعل المواطن الفرنسي ينتبه إلى هدف اليمين المتطرف والطموح المرضي لزعيمته، فتحمل مسؤوليته وصوت ضدها وحزبها، وحال دون زعزعة قيم الجمهورية الفرنسية.
ويعتبر اندحار مارين لوبان في انتخابات الدور الثاني الجهوية، رسالة واضحة من الدولة الفرنسية باستحالة وصول العنصريين إلى منصب رئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة.
(العرب اللندنية 2015-12-17)