كوبلر وسيرا والقبائل

تتجه جهود تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الليبية في مسارها المرسوم دولياً، ودخلت مرحلة تذليل الصعوبات بانتظار العد العكسي لإعلان تشكيل هذه الحكومة خلال هذا الشهر، فقد بدأ رئيس الوزراء المكلف فايز السراج، مشاوراته مع القوى الحزبية والمدنية والشخصيات الفاعلة، بالتوازي مع حملة يقوم بها المبعوث الأممي مارتن كوبلر على الأطراف والوجاهات الاجتماعية والقبلية لتوفير الظروف السياسية الملائمة لولادة الحكومة المأمولة.
من غير المؤكد؛ الجزم بأن مهمة حشد التأييد ستمر بسلاسة، فبعض الأطراف مازالت في نفوسها أشياء من التوجس والحذر؛ تعود، في الأساس، إلى الخشية من أن تنقلب الأوضاع عليهم فيفقدوا ما تمتعوا به من حضور على الساحة، كما تعود إلى ثقافة انعدام الثقة الشاملة التي ترسخت خلال مرحلة الفوضى والاقتتال، عقب الإطاحة بالنظام السابق، وقد يحتاج تغيير هذه القناعات بعضاً من الوقت حتى يأمن الجميع إلى أن مشروع حكومة الوحدة الوطنية لن يرتهن إلى مرجعيات سياسية أو قبلية على حساب البقية، وهو ما يتطلب آلة دبلوماسية تدور بسرعة كبيرة، لكسب أكثر ما يمكن من الداعمين المحليين بعد أن تحقق إجماع دولي في مجلس الأمن على ضرورة التحرك الإيجابي، لفرض واقع سياسي وأمني مختلف عن السابق.
في الطريق إلى تشكيل الحكومة الجديدة، حقق المبعوث الأممي اختراقاً مهماً، عندما حصل على موافقة رئيس البرلمان المعترف به دولياً، عقيلة صالح، على اتفاق «الصخيرات»، ولم يتبق غير قائد الجيش اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يخشى من أن يُفقده المشروع الأممي منصبه بسبب رفض الجماعات الحاكمة في طرابلس بقاءه على رأس قيادة الجيش تحت إمرة حكومة الوحدة الوطنية.
ولا يُعد إقناع حفتر من عدمه عقبة كبيرة أمام الخطة الأممية، إذا تم إقناع شيوخ القبائل في مختلف المناطق بضرورة دعم حكومة فايز السراج، ورغم الإعلان عن شروط قبلية يبدو ظاهرها طيباً مثل التوزيع العادل للحقائب الوزارية بين أقاليم ليبيا الثلاثة، برقة وفزان وطرابلس، والحفاظ على الجيش لحماية الدولة بدلاً من الميليشيات المسلحة، وتوزيع الثروات النفطية، وشفافية مشاريع إعادة الإعمار، فإن هناك آمالاً في أن تشكل استمالة الأعيان ووجهاء القبائل الضامن الأكبر لنجاح المهمة الدولية، وربما في هذا السياق تأتي الجهود الموازية التي يقوم بها الجنرال الإيطالي باولو سيرا المكلف من الأمم المتحدة بإرساء السلام ومحاربة الجماعات الإرهابية.
منذ تسلمه مهامه مع كوبلر، أقام سيرا خطوط اتصال مباشرة مع زعماء القبائل، وبعض من قادة الميليشيات المسلحة في مختلف المناطق، ضمن خطة واسعة تؤمن بأن تحقيق الاستقرار وملاحقة الجماعات الإٍرهابية، تتوفر لها حظوظ كبيرة للنجاح حين تعمل في الميدان مع من بأيديهم السلاح والسيطرة على مدن وأقاليم واسعة.
وضمن مهمته، يتحرك الجنرال سيرا بتفويض واضح من مجلس الأمن، فما سيفشل في تحقيقه بالمفاوضات وتقديم التسهيلات قد ينفذه بطرق أخرى تتطابق مع دوره الأمني والعسكري. وبعد أسابيع من الاتصالات السرية ظهرت مؤشرات مشجعة بعد موافقة عشرات الميليشيات والزعماء القبليين على الوقوف مع حكومة فايز السراج ومساعدتها على تحقيق الوحدة الوطنية وسيادة الدولة.
أما الدور المحوري الذي تنتظره المهمة الأممية من القبائل الليبية والميليشيات المختلفة فيتعلق بتطهير البلاد من الجماعات الإرهابية، وبدا واضحاً أن هذا الاتجاه قطع خطوات طويلة أكثر من المسار السياسي، ولم يبق غير إحصاء الأهداف ومطابقتها مع ما تريده غالبية الليبيين وإرادة المجتمع الدولي.
(المصدر: الخليج 2016-01-02)