الحصاد المر لحزب النور المصري .. قراءة ضرورية

مع نهاية الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب المصري، وظهور الخسارة الكبيرة لحزب النور، خرج قادته يتحدثون عن دراسة الانسحاب من الانتخابات، ومن ضمنهم برهامي (القائد الفعلي للحزب وليس يونس مخيون). كتبت يومها في “تويتر” أن ذلك لن يحدث، لأن للانسحاب ثمن كبير في العلاقة مع النظام لن يحتمله قادة الحزب. ثم علمنا أن مجلس شورى الدعوة السلفية كان في أغلبيته يريد الانسحاب، لكن برهامي فرض العكس، وبذات المنطق المتعلق بالخوف من ردة فعل الدولة. حزب النور ظاهرة فريدة في التجربة الإسلامية، من حيث سرعة تقلباته وصعوده وهبوطه، فهو كان تعبيرا عن تيار (الدعوة السلفية) مال إلى العمل الدعوي خشية الصدام مع دولة حسني مبارك، وفق نظرية “من السياسة ترك السياسة”، وحين اندلعت ثورة يناير، لم يشارك فيها ضمن ذات الرؤية، بل كان بعض رموزه يتحدثون صراحة عن رفض المظاهرات والأحزاب بوصفها بدعة أو خروجا على ولي الأمر، وما إن انتصرت الثورة وبدأ التحضير للمرحلة التالية، حتى أسسوا الحزب (النور)، وقرروا دخول الانتخابات، وحصدوا نسبة عالية من الأصوات تلامس الربع، وبالطبع بسبب اتساع ظاهرة التدين، ونمو الظاهرة السلفية ودعاتها، وبذلك حصلوا على أصوات فئات متدينة لم يصلها الإخوان. بسرعة مذهلة تحول الخطاب السياسي للدعوة السلفية من رفض السياسة، إلى الانخراط فيها بكل قوة، مع تحولات في الخطاب حيال الأقباط وقضايا أخرى كانوا يتميزون بها، وحصل هؤلاء على دعم كبير من جهات خارجية تناصب الإخوان العداء، وتتولى رعاية التيار السلفي، وإن بطبعته غير المسيّسة، لكنها هنا كانت تدعمهم كنقيض للإخوان، وليس كمتحالف معهم . لاحقا تبين أن مجمل العلاقة بين الحزب وبين الإخوان كانت تُرسم في دوائر الدولة العميقة، والجهات الفاعلة في صناعة أجواء الانقلاب، والتي كانت معنية بتشويه تجرية الإخوان، وهم (أي قادة الحزب) من دفعوا الإخوان إلى تبني فقرة إشكالية في الدستور أثارت قوىً عديدة في الساحة السياسية، وكان ذلك خطأ الإخوان بطبيعة الحال. والخلاصة أن الحزب كن جزءا لا يتجزأ من أدوات الاطاحة بالاحوان، ومضى معه من البداية حتى النهاية، وبرر كل الخطوات التي اتخذت على هذا الصعيد، ، ويبدو أن حلمه كان يتمثل في وراثة شعبية الإخوان، لكن واقع الحال هو أن علاقته مع أجهزة الأمن في المرحلة السابقة على الثورة، ما لبثت أن تواصلت ضمن رؤية التنسيق المتواصل. لم يدرك هؤلاء أن الدولة العميقة وأدواتها التي لم تحتمل الإخوان، وترفض الإسلام السياسي برمته، لا يمكن أن تستبدل الإخوان بمن هم أكثر تشددا في الخطاب الفقهي، أو بمن يحمل رؤية دينية لا تنسجم مع الانفتاح التقيليدي للشعب المصري، ورأينا تبعا لذلك تلك الهجمة المتواصلة من أدوات الدولة ذاتها ضد الحزب طوال المرحلة الماضية، بل إننا لا نضيف جديدا إذا قلنا إن الحرب عمليا هي ضد كل ظاهرة التدين، بوصفها من يوفر الحاضنة لما يسمى الإسلام السياسي. لم يدرك هؤلاء ذلك، وربما أدركوا لكن عقد الخوف تملكتهم، فواصلوا الانخراط في اللعبة، وصولا إلى المشاركة في الانتخابات الأخيرة. ولما كانت الجماهير تراقب ما يجري عن كثب، وتابعت نمط الانتهازية الذي حكم سلوك الحزب من البداية حتى النهاية، فقد عاقبته على نحو موجع . لم يحدث تزوير ضد الحزب، فما حصل عليه كان حقيقيا يعبر عن جمهوره الحالي، والمال السياسي الذي يصرخ ضده كان حاضرا في انتخابات 2012 التي حصل فيها على رقم كبير، لكن الشعب هذه المرة لم يقتنع بالانتخابات أصلا، كما لم يقتنع بالتصويت لحزب مارس كل ذلك القدر من الانتهازية. إنه تأكيد على أن بوصلة الوعي الجمعي للناس تبقى عصية على التزوير، من دون أن يعني ذلك عدم وجود فئات يتلاعب الإعلام بعقلها، ويؤثر فيها، كما أن تلك الجماهير لم تعد مأخوذة بمجرد الشعار الإسلامي، إذا أنها تفاضل بين طرف وآخر بحسب سلوكه وممارساته، وليس شعاراته وحسب.
(الدستور 2016-01-03)