معضلة الحرب على الإرهاب

تستخدم وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وكذلك أدبيات البحوث التي تناقش في المؤتمرات، فضلاً عن التصريحات الرسمية، كلمة «الإرهاب» بشكل فوضوي وغامض ومدسوس أحياناً، من دون أن تقدم أي جهة إعلامية أو بحثية أو رسمية تعريفاً محدداً للإرهاب، وغياب هذا التعريف ألصق الإرهاب بالإسلام، ونفي المسؤولين غير المسلمين الربط بين الإرهاب والإسلام لا يكفي في سياق الأجندات السياسية المرتبكة والغامضة، وفي ظل التحالفات المبهمة أيضا.
الحركات الإسلامية المتطرفة، التي تُدمغ وتوصف بالإرهاب هي ذاتها التي كانت مثار إعجاب لدى قطاع واسع من الجمهور العربي والإسلامي، حتى إن كثيرين، من رجال الدين والسياسيين أطلقوا عليها الحركات الجهادية، وروجوا لها على هذا الأساس؛ حركات جهادية ثورية تهدف إلى الإطاحة بالدكتاتورية لإنشاء أنظمة (عادلة) في المنطقة. وبناء على هذا التوجه، انخرطت دول كثيرة، عربية وإسلامية وغير عربية وغير إسلامية في دعم تلك الحركات، وتسليحها وإمدادها بالمال وتسهيل انضمام الرجال إليها، وتسهيل مرورها عبر الأراضي، وبات زعماؤها نجوماً أقرب إلى القداسة، بل تحولوا إلى مثل عليا للأجيال، فانضم كثيرون إليها ظناً منهم أنهم يجاهدون وأنهم قاب قوسين أو أدنى من جنات النعيم.
الجهات التي أنشأت تلك الحركات وسوّقتها وروجت لها خلال السنوات القليلة الماضية، ومكّنتها من احتلال عشرات الآلاف من الكيلومترات في بلاد الشام، وإقامة إمارات في العديد من المدن مثل الرقة السورية، والموصل العراقية، ومدنٍ في ليبيا، تلك الجهات، وبقدرة قادر، صنّفت الحركات (الجهادية) ذاتها، في قائمة الحركات الإرهابية، في تحوّل لم يفهم كثيرون مغزاه؛ هل هو تحوّل في الفكر الديني أم تحوّل في المشروع السياسي أم تحول في الخريطة الجغرافية!
الجهات ذاتها التي كانت تسهّل مرور مواطنيها والمقاتلين للانضمام إلى الحركات (الجهادية)، هي ذاتها اليوم، تقوم بنعت هؤلاء بالإرهابيين، وتحاربهم، وتلقي القبض عليهم، وهذه الجهات تشمل دولاً عربية وأخرى غربية رفعت راية محاربة الإرهاب مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وكندا وتركيا ودول أوروبية.
الجهات ذاتها التي أسست نظاماً مالياً ومصادر تمويل للحركات (الجهادية) تعمل الآن على تجفيف مصادر التمويل، من دون أن نعلم كيف يمكن القيام بذلك، وحتى تتملص الجهات من تهمة الدعم المالي، بدأت تروج لكيفية تمويل الحركات لعملياتها ودفع رواتب لعشرات الآلاف من المقاتلين؛ فبدأت تحصي عدد براميل النفط التي تبيعها تلك الحركات والتنظيمات يومياً، وهو أمر لا يقبله عقل، فعشرات الآلاف من المقاتلين، الذين يحتاجون إلى ذخيرة وأسلحة متطورة، ويمتلكون أرتال السيارات الجديدة ووسائل اتصال حديثة جداً، لا يكفيهم مليون دولار في اليوم، هي خدعة يريدون تمريرها، وكذبة يريدون من الآخرين تصديقها.
هذه التحولات تدل على أمر واحد فقط هو استخدام الدين لخدمة أغراض سياسية واقتصادية، ولتمرير مشاريع جيوسياسية بعضها معلن وبعضها يتم الاشتغال عليه ضمن الدوائر الضيقة المغلقة، لكن الحصيف يمكنه ربط تطور الأحداث بالتحالفات بالتغييرات، وبتداخل المصالح حتى يدرك أن الدين استُخدم لأمرين، الأول تنفيذ أجندات سياسية واقتصادية، والأمر الثاني تشويه الدين، ولا نريد التأكيد على أن جميع اللاعبين يهدفون إلى هذا التشويه، لكن النتيجة واضحة؛ الحركات (الجهادية) تحولت إلى حركات إرهابية بين عشية وضحاها، رغم أن ممارساتها هي ذاتها لم تتغير منذ إنشائها حتى اليوم.
الحرب على الإرهاب جملة فضفاضة حولّت كثيراً من الثوريين الذين يطالبون باسترداد أراضيهم إلى إرهابيين، حتى إن الكيان الصهيوني «إسرائيل»، الدولة المصنفة بالإرهابية والتمييز العنصري من أهم منظمة دولية، بات يمتطي هذه الجملة لمحاربة الفلسطينيين، بل إنه يكاد يدخل في التحالف العالمي لمحاربة (الإرهاب)، وذلك ليدمغ الحركات الفلسطينية والتنظيمات بالإرهاب، حتى يسكت العالم عن جرائمه المستمرة على مدى سبعين عاماً.
الحرب على الإرهاب، كما يمارسها أعضاء الحملة كمن يضع العربة أمام الحصان، فهذه الحرب لا تنطلق فقط من محاربة الكيانات المتطرفة التي ظهرت كنبت شيطاني، (احتلال الموصل والرمادي والفلوجة في العراق خلال ساعات قليلة)، وإنما في محاربة الجذر الإرهابي، وهنا قد يختلف المختلفون، خاصة أن الجذر يتعلق بالفكر، والفكر يستمد قوته من الشريعة، التي يتم تثبيتها بالتأويلات والتفسيرات والمذاهب.
إن أول خطوة في محاربة (الإرهاب) هو تقديم تعريف واضح وصريح ومنطقي وشفاف لمصطلح (الإرهاب).
المطلوب إذاً، اتباع المنهج العلمي في المقاربة، ووضع تعريف متفق عليه للإرهاب، ينأى عن ربط الدين بالسياسة والمصالح.
(الخليج 2016-01-04)