في أعماق القلق: البترا أنموذجا

عندما تستعصي الأزمات، يلوذ الجميع عادة بالحكومات بحثا عن حل. فالحكومة مؤسسة دستورية صاحبة ولاية، ولديها أذرع متعددة للمساعدة في إيجاد الحلول. وهي قبل هذا وبعده راعية لحقوق الناس ومصالحهم وأموالهم.
في الحالة الراهنة بلواء وادي موسى، يتساءل الكل هناك: أين الحكومة؟ فقضية البيع الآجل، أو ما عرف بقضية "التعزيم"، لم تحسم بعد، ومرت بفصول انطوت على ارتباك؛ من الحجز التحفظي على أموال التجار، ثم رفع هذا الحجز وترك المتضررين في مواجهة التجار، ثم الدخول في وعود التجار بالدفع لأبناء وادي موسى المتضررين، وهو ما اتضح لاحقا أنه غير صحيح. ولتنتج بعد ذلك مواجهات مؤسفة بين قوات الدرك والأهالي، تدفعنا جميعا للقلق أكثر من استمرار المشهد على ما هو عليه، في ظل أجواء التصعيد الراهنة.
تعقدت الأزمة لدرجة أن التجار أوهموا المتضررين أواخر الأسبوع الماضي بأنهم يصورون الشيكات ويجمعونها، وأنهم جاهزون لدفع ما ترتب عليهم من التزامات مالية بالملايين. بعد ذلك، أغلقوا هواتفهم ولم يتسن لفريق إدارة الأزمة في البترا التواصل معهم، ما دفع لاحقا إلى نزول بعض المتضررين إلى الشارع السياحي والدخول في مواجهة مع قوات الدرك.
الموقف اليوم يتلخص في أن التجار المتسببين بخديعة البيع الآجل أحرار في العاصمة. وفي المقابل، لا يسمح للمتضررين بمقاضاة هؤلاء التجار. فالقضية كانت في عهدة هيئة مكافحة الفساد، وفريق إدارة الأزمة لا يملك حلولا سحرية ولا يستجيب أحد لنداءاته. كما أن لجنة النزاهة النيابية قامت بالاجتماع مع الحكومة بهذا الشأن، لكن الاجتماع لم يفض إلى نتائج. وفي الأثناء ترقب الحكومة ما يحدث، من دون أن يصل للمواطنين هناك ما يدفعهم للطمأنينة.
لا إغلاق الطرق، أو إشعال الإطارات، أو العنف، ستصنع فرقا في الأزمة الراهنة. كما أن تعزيز الحضور الأمني في كل شوارع وادي موسى لن يحل الأزمة. الأمر يحتاج لحلول واقعية وضمانات تنفيذ ومواعيد دقيقة لا تلاعب فيها.
وبدل الالتفات إلى الأزمة المتفاقمة في البترا، تطل علينا "النخبة" السياسية من عمان -حكومة وبرلمانا- عبر مناقشة مشروع القانون المعدل لقانون سلطة إقليم البترا التنموي السياحي، لندخل في جدل مفتوح بين تحفّظ نيابي حول حظر بيع الأراضي لمن يحمل الجنسية الإسرائيلية في مدينة البترا الأثرية، وإرسال تعديلات تشريعية من طرف الحكومة لأجل "منع تسرب الأراضي إلى اليهود"، ولتتصاعد الاحتجاجات النيابية حيال فكرة بيع أراض للأجانب في البترا. وهو ما انتهت إليه جلسة عاصفة بهذا المعنى يوم الأحد الماضي.
على الحكومة التحرك من دون تردد، بكل أذرعها، من أجل حل أزمة أبناء البترا بعيدا عن الهواجس والتسريبات والمماحكات ومصالح "الصغار"، كي لا يتطور المشهد إلى ما لا تحمد عقباه.
(الغد 2016-01-05)