مَواعيد و«مُفاوضات».. في مهب الريح!

قبل أن تصل العلاقات السعودية الإيرانية إلى الدرك الأسفل من التدهور المفتوح على احتمالات عديدة، لم يكن حظ المواعيد والمؤتمرات التي رُحِلّت الى الشهر الجاري، بعد أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة، جيداً الى درجة يمكن تَوَقٌّع انعقادها في مواعيدها العتيدة، لأن الظروف لم تنضج بعد، ولا يلوح في الأفق انها مرشحة للنضوج، أقله في المديين القريب والمتوسط، سواء في ما خصّ الأزمة السورية التي كان «مقرراً» التئام المفاوضات حولها بين الحكومة السورية ورهط المعارضات السورية (بما هي وفد مُوَحد، مُؤهل ومُمثِل لمُختلف فصائل تلك المعارضات) عندما تم تحديد الخامس والعشرين من الشهر الجاري لبدء ماراثون تلك المفاوضات، ام في ما تعلق بالأزمة اليمنية التي حدّد «رعاة» المفاوضات التي انطلقت بالقرب من فيينا، موعدها في الرابع عشر من الشهر الجاري، دون اهمال مصير «الاتفاق» الذي تم توقيعه بين «حكومتي» طرابلس وبنغازي وبرعاية أُممية ممثلة في شخص المبعوث الدولي الألماني كوبلر,والقاضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية..
قد يُسهم التدهور في علاقات الرياض وطهران، في تعقيد الطريق إلى تلك المحاولات (المحفوفة بالفشل) التي تُبذل لوضع حد لحمامات الدم والنشاط الارهابي الموصوف الذي تُمارسه مجموعات وتشكيلات إرهابية، تحظى بدعم لم يعد خافياً على أحد، من عواصم إقليمية ودولية، ذات مصلحة في الاستفادة من الفرصة «المتاحة» لتفكيك العالم العربي وضرب الدول المركزية فيه، وتحويل صراعاته إلى مواجهات ذات طابع مذهبي وطائفي، ما يزيد من راحة إسرائيل ويُمهّد الطريق أمامها لقيادة المنطقة وكتابة جدول أعمالها، بما يوافق مطامعها وطموحاتها التي لا حدود لها في الهيمنة والتفتيت وتصفية القضية الفلسطينية، إلاّ أن ذلك كله – على وجاهته – لا يطمس على حقائق، أن هناك، من العرب وغير العرب، من يعمل بغير كللٍ أو تعب، على تعطيل أي حلول سلمية لهذه الأزمات، ظنّاً منه أنه بات يتوفر على أوراق قوية كفيلة بميل موازين القوى إلى صالحه، أو هو في انتظار حدوث «معجزة» تُغيّر من مجرى الأحداث وسيرورتها، والتي باتت تفرزها ساحات الميادين المفتوحة في تلك «الجبهات» الثلاث على الأقل.
...سورياً، ثمّة محاولات يائسة يبذلها المبعوث الدولي ديمستورا لدى أطراف المعارضات التي اجتمعت في الرياض – والمجتمعة الآن لوضع استراتيجية تفاوضية على ما يقول أركانها أو من نُصِّبوا على رأسها – بهدف «توسيع» تمثيلها لاستيعاب فصائل وأجنحة سياسية في الأساس، كي يبدو تمثيلها مقبولاً على الأطراف الدولية الفاعلة، فضلاً عن إعادة النظر في وجود بعض الجماعات المسلحة ذات الروابط الإرهابية المعروفة مع داعش وجبهة النصرة، إضافة إلى ممارساتها الميدانية الإرهابية في أماكن تواجدها، كما هو حال جيش الإسلام الذي «فَقَدَ» قائده الأوحد زهران علوش، وحركة أحرار الشام المُنخرطة في تحالف ما يُسمى جيش الفتح مع جبهة النصرة (الذراع السوري لتنظيم القاعدة الإرهابي).
هذه المحاولات التي بدأها ديمستورا في الرياض يوم أمس، محكومة بالفشل لأن قادة المعارضات هناك يقولون انهم الممثلون «الشرعيون» للمعارضات السورية، وأن ما يُسمى بمعارضات أخرى، ليست سوى معارضة «مُزيفة» وهي أقرب ما تكون إلى النظام منها إلى المعارضة، على ما قال خالد خوجة، رئيس الائتلاف «التركي» المُعارض، لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، يوم أول من أمس. بل اطرف ما في المسألة، أن خالد خوجة يطالب بخطوات «بناء ثقة» قبل بدء المفاوضات.
ناهيك عن التفسيرات الرغائبية وغير الصحيحة لقرار مجلس الأمن رقم «2254» الذي استند في الأساس، إلى نظام «نِقاط» بيان فيينا التسع، فيما يعيش معارضو الائتلاف في وَهْمِ بيان «جنيف1» الذي لم يعد في التداول أصلاً.. ماذا عن الرابع عشر من الشهر الجاري «اليمني» هذه المرة؟
الحال أسوأ من مآل الخامس والعشرين «السوري»، فلا وقف لاطلاق النار استمر، ولا استأنف المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ..مساعيه، بعد اطاحة الهدنة، بذريعة ان الطرف الآخر لم يلتزمها، فاشتعلت ساحات المواجهة وأخذ أحد الطرفين يراهن على «معركة» حاسمة، يبدو ان الطامعين لتحقيقها، سيكتشفون انهم يطاردون سراباً، بعد أن استقرّت الأوضاع الميدانية، ولم يعد أحد من الطرفين – وخصوصاً الطرف الذي يظن انه الاقوى – يمتلك القدرة على اجتراح نصر،وخصوصاً بعد ان «نضب» بنك الأهداف وتحول اليمن مدنه وقراه,سهوله والجبال.. إلى أراضٍ محروقة وشعب مُهجّر أو مُحاصَر أو جائع، تُهدّده الأمراض والأوبئة، فضلاً عن تزايد قوة داعش، الذي يُسيّطر على أجزاء واسعة من عدن «قابضاً مؤخراً على مينائها ورافضاً تسليمه الى ما تُوصَف بالحكومة الشرعية.
هل قلتم ليبيا؟
... تغيب الاجابات، في ظل الفوضى والفلتان الأمني والتنكر»المُتبادَل» للتواقيع والاتفاقات والعودة عنها، وطرح المزيد من الاشتراطات والمطالبات بما في ذلك منع المبعوث الدولي من الاستمرار في مؤتمره الصحافي و»طرده» من القاعة، ذلك المبعوث الذي يُواصل «نَثْرَ» المزيد من الابتسامات، دون ان يُظْهِرَ أي كفاءة ملموسة أو مقدرة على تحريك الأمور أو تحديد المواقف، بل هو لا يلقى سوى دعماً كلامياً، من العواصم الأوروبية والأطلسية، التي اسقطت القذافي ودمرت ليبيا وتركت شعبها لمصيره... البائس.
(الرأي 2016-01-06)