«تل أبيب» تحت نظام منع التجول

تم نشره الخميس 07 كانون الثّاني / يناير 2016 12:40 صباحاً
«تل أبيب» تحت نظام منع التجول
عوني صادق

افتتاحية فلسطينية قوية للعام الجديد: «تل أبيب» تحت نظام منع التجول!

استطاع الشاب الفلسطيني نشأت ملحم، من قرية عرعرة في المثلث الشمالي من فلسطين المحتلة العام 48، أن يفرض نظام منع التجول على مدينة "تل أبيب" عندما اخترق أكبر شوارعها، شارع ديزينغوف، ليستعمل سلاحا غير شائع الاستعمال فيوقع قتيلين وسبعة جرحى بعضهم في أوضاع حرجة! اثنتان وسبعون ساعة (حتى كتابة هذه السطور) من البحث المكثف عن الشاب الذي تمكن من الانسحاب والاختفاء بعد تنفيذ عمليته لم توصل الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» إلى شيء، وما زال الرعب والهلع ومنع التجول سادة الموقف في المدينة المرعوبة ! ولعل الصيد الثمين في العملية كان مقتل مسؤول العمليات الخارجية في جهاز (الموساد)، ما يرجح أن العملية جاءت بعد رصد الهدف، ولم تتم بالصدفة أو الارتجال !

تفاصيل العملية الباسلة صارت معروفة للجميع... من أين حصل الشاب على سلاحه، وكيف نفذ عمليته... الخ؟ لكن ما ليس معروفا حتى الآن وما تخشاه الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» «المتفوقة» دائما، يقع في تفصيلين «صغيرين»: أين يختفي نشأت، وهل ينوي تنفيذ عملية أخرى قبل أن يظهر؟! الخبراء الأمنيون «الإسرائيليون» اعتبروا العملية «اختراقا» فاضحا، و«صفعة» للأجهزة الأمنية، خصوصا أن الشاب أسير سابق محرر ويفترض أنه تحت المراقبة ! لكن النتيجة الأكثر دلالة على هشاشة «أمن إسرائيل» تمثل في الرعب الذي ألقته العملية في قلوب سكان المدينة حيث فضل أكثر من مليون «إسرائيلي» البقاء في بيوتهم حتى خلت الشوارع من المارة، فيما انتشر آلاف من قوات الشرطة والجيش ووحدات «مكافحة الإرهاب»، في وقت تغيب نصف طلاب المدارس عن مدارسهم لأن ذويهم قرروا عدم إرسالهم في ضوء التقارير التي أفادت بأن منفذ العملية لا يزال حراً طليقاً!

هكذا في لحظة اكتشف بعض الصهاينة ما يتجاهلونه دائماً، حقيقة أمنهم بل حقيقة وجودهم الذي يمكن أن يختفي في لحظه كهذه! في صحيفة (معاريف- 3-1-2016)، كتب إيال ليفي يصف جزءاً من الصورة: «كان صعباً يوم أمس أن لا يفكر المرء بتهالك الأرضية التي تقف حياتنا عليها هنا! ففي لحظة واحدة تكون تحتسي الشاي الحار، تستعد ببهجة لراحة السبت، وبعد لحطة تجد نفسك تغلق على نفسك البيت! سكنت كل حياتي تقريبا في تل أبيب، ولم يسبق لي أن رأيتها فزعة بهذا القدر...»! ويضيف: «وصلنا إلى ميدان رابين، الذي تحول في تلك الساعات إلى موقف كبير لسيارات الشرطة. لا يصدق في أي وضع هش نوجد. شاب واحد وليس أكثر والمدينة مشلولة»!!

إن كل عملية ينفذها الشباب الفلسطيني في هذه الأيام وفي الظروف التي تشهدها الساحات المحلية والإقليمية والدولية، تحمل من الدلالات ما لا يحتاج لحصر، لكن وللإيجاز يمكن القول إنها تكتسب أهمية خاصة في تكريس وتثبيت ما اصطلح عليه الفلسطينيون بالثوابت (قبل أن يطالها التعديل قبيل «أوسلو» وبعده). لكن عملية تل أبيب تكتسب أهمية إضافية ولا شك، لأنها فضلا عن أنها تأتي في سياق إدامة واستمرار وتطوير الهبة الشعبية التي دخلت شهرها الرابع، تحمل معها عودة فلسطينيي 48 إلى الهبة بعد أن تصور البعض أن الإجراءات القمعية الأمنية «الإسرائيلية» نجحت في إبقاء الهبة في حدود الضفة الغربية، فأكدت عملية تل أبيب أن ذلك كان وهما وأن وحدة الأرض والشعب تظل هي الثابت الفلسطيني الأول بين الثوابت. إلى ذلك، تكتسي العملية، كما قلت، أهمية إضافية وهي تسقط الوهم «الإسرائيلي» الذي تقوم عليها نظرية الأمن «الإسرائيلية» القائلة بأن اللجوء إلى القوة والمزيد من القوة سيحقق الردع ويفرض على الفلسطينيين الخضوع للعسكرتاريا «الإسرائيلية». فبعد عملية تل أبيب، قتل في الضفة الغربية أكثر من ثلاثة مستوطنين بالسلاح الناري، منهم جنديان، ما يدل على أن العملية رفعت من مستوى المواجهة وتدفع بها إلى أمام.

وفي ضوء هذه النتائج، لم يكن من المتوقع أن تتراجع القيادة «الإسرائيلية» عن مواقفها القمعية والعنصرية والتوسعية، لأنها ترى في ذلك «مكافأة للإرهاب والإرهابيين»! ولكن إزاء فشل سياستها الذريع، تمعن في ما سبق وقررته من إجراءت وسياسات، وفي هذا الإطار لم يجد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مناصا من ممارسة مزيد من التحريض ضد الفلسطينيين، وهذه المرة أيضا اختص به فلسطينيي 48، وهو أمر طبيعي بعد عملية تل أبيب. وفي كلمة له، في موقع العملية الذي زاره بعدها، قال: «لا أستطيع أن أقبل بدولتين في «إسرائيل»، دولة قانون لغالبية المواطنين، ودولة داخل دولة لجزء من المواطنين في جيب لا يطبق فيه القانون»! مؤكدا على «بلورة خطة لزيادة فرض القانون في الوسط العربي»! نتنياهو يقول ل «مواطني الجيب» عليهم أن يكونوا «إسرائيليين»: لا يمكن القول «إنني «إسرائيلي» في الحقوق وفلسطيني في الواجبات. من يريد أن يكون «إسرائيليا» فليكن«إسرائيلياً»بشكل كامل في الحقوق والواجبات على حد سواء...»!! نتنياهو وبكل وقاحة يتحدث عن الحقوق والواجبات وكأنما كل الحقوق ممنوحة للفلسطينيين في كيانه، بينما يقول جدعون ليفي إن دولته «كانت فاشية منذ البدايات»!!

لكن رد نشأت ملحم، وفلسطينيين غيره، على نتنياهو قد يجعله أقرب إلى فهم ما يريده الفلسطينيون من حقوق!!

(الخليج 2016-01-07)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات