الانزلاق نحو المذهبية والتطرف

تم نشره الخميس 07 كانون الثّاني / يناير 2016 12:42 صباحاً
الانزلاق نحو المذهبية والتطرف
د. موسى شتيوي

التدهور المتصاعد في العلاقات السعودية والعربية الإيرانية لايمكن تفسيره فقط من خلال الأحداث الأخيرة في السعودية، وبخاصة إعدام الشيخ نمر النمر، والاعتداء على السفارة السعودية في طهران؛ لا بل إنه نتيجة لتراكم سياسات ومواقف منذ أربعة عقود على الأقل.

بصرف النظر عن صواب أو عدم صواب إعدام الشيخ نمر والمجموعة التي تم إعدامها، فهم- في نهاية المطاف- مواطنون سعوديون. وعليه؛ فإن ردة الفعل الإيرانية بالاعتداء على المقرات الدبلوماسية للسعودية هو عمل يتنافى مع القوانين والأعراف السياسية والدبلوماسية، ويظهر وكأن ايران تتصرف معه بوصفه إيرانياً وليس باعتباره مواطناً سعودياً.

لقد حاولت إيران بعد ثورة الخميني تصدير ثورتها للعالم العربي ذي الغالبية السنية، ونشر مبادئها التي ارتبطت بالمذهب الشيعي الذي اعتبر المواطنين الشيعة في الدول ذات الأغلبية السنية بحكم مواطنيهم من الناحية المذهبية التي كانت حرب العراق وإيران أولى نتائجها. وبالرغم من الدمار والخسائر البشرية التي تمخضت عنها تلك الحرب؛ فلم يتم استخلاص العبر والدروس من تلك الحرب المدمرة التي لم يربح منها أحد. ومُنذ ذلك التاريخ وكلا المعسكرين يخوضان حرباً فكرية سياسية وإعلامية ذات طابع مذهبي، ساهمت في إضعاف حس المواطنة، وتعظيم الهوية المذهبية بدلاً من تعظيم الهوية الوطنية الجامعة. ففي الدول التي تضم مذاهب مختلفة أصبحت الهوية المذهبية أكثر أهمية من الهوية الوطنية، ما أفسح المجال لاستغلال حالة الانقسام هذه في العديد من الدول، وخوض الصراعات السياسية على السلطة على أساس التحشيد الطائفي والمذهبي في دول مثل: سورية والعراق ولبنان واليمن وغيرها.

هذا الصراع السياسي ذو الطابع المذهبي شكل الأرضية الخصبة لظهور التطرف على جانبي الخليج العربي، وبدأت تظهر حركات تقوم عضويتها الحصرية على المذهب أو الطائفة.

الثورة الإيرانية ومحاولات تصديرها والنجاحات المحدودة التي حققتها بعض الحركات السياسية/المذهبية (كحزب الله) في لبنان أدت إلى تضخم في الهوية الشيعية، وشعورها بالفوز، ومحاولة فرض أجندة سياسية مرتبطة بإيران أكثر من ارتباطها بأوطانها. لقد قابل ذلك شعور بالعجز والخطر في الجانب السني، وتطور المظلومية السنية من جانب آخر، وبخاصة بعد الصعود الشيعي في العراق إثر الغزو الأميركي، وقمع الثورة في سورية، وإضعاف السنة في لبنان.

الحروب والصراعات الداخلية في العراق وسورية ولبنان واليمن، تخاض ضمن هذا الإطار، والنتيجة- حتى الآن- هي تدمير هذه الأوطان والدول، وقتل مئات الآلاف، وتشريد الملايين من أوطانهم، والنتيجة الحتمية هي هدم الدولة الوطنية.

لقد أدى ذلك لخوض حروب بالوكالة باللجوء لأكثر الحركات تطرفاً، وأثبتت التجربة العملية أن هذه الدول قادرة على خلق المشاكل والتعطيل، ولكنها غير قادرة على أن تكون جزءاً من الحل، وبالتالي استمرار الصراع.

التصعيد الذي يأخذ الطابع المذهبي يُغذّي التطرف، ويشكل بيئة خصبة للتنظيمات المتطرفة مذهبياً بالنمو والتوسع؛ لأنها الأقدر على حمل لواء الطائفية من غيرها. لايوجد رابح من الانزلاق للحرب المذهبية والطائفية سوى التطرف، وهي نقيض المعاصرة والحداثة وفكرة الدولة الحديثة؛ لأنه لايمكن لأي دولة أن تحقق النقاء المذهبي دون قتل أو طرد ذوي المذاهب الأخرى من خلال التطهير المذهبي، وهذا ما لايمكن حدوثه.

للخروج من هذا المأزق لا بد من تجاوز الأزمة الحالية، والشروع في بناء الدولة الحديثة القائمة على المواطنة لا الهروب الى الماضي، واجترار صراعاته وأشكال كياناته التي لايمكن أن تشكل بديلاً من الدولة الحديثة.

(الغد 2016-01-07)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات