الانزلاق نحو المذهبية والتطرف

التدهور المتصاعد في العلاقات السعودية والعربية الإيرانية لايمكن تفسيره فقط من خلال الأحداث الأخيرة في السعودية، وبخاصة إعدام الشيخ نمر النمر، والاعتداء على السفارة السعودية في طهران؛ لا بل إنه نتيجة لتراكم سياسات ومواقف منذ أربعة عقود على الأقل.
بصرف النظر عن صواب أو عدم صواب إعدام الشيخ نمر والمجموعة التي تم إعدامها، فهم- في نهاية المطاف- مواطنون سعوديون. وعليه؛ فإن ردة الفعل الإيرانية بالاعتداء على المقرات الدبلوماسية للسعودية هو عمل يتنافى مع القوانين والأعراف السياسية والدبلوماسية، ويظهر وكأن ايران تتصرف معه بوصفه إيرانياً وليس باعتباره مواطناً سعودياً.
لقد حاولت إيران بعد ثورة الخميني تصدير ثورتها للعالم العربي ذي الغالبية السنية، ونشر مبادئها التي ارتبطت بالمذهب الشيعي الذي اعتبر المواطنين الشيعة في الدول ذات الأغلبية السنية بحكم مواطنيهم من الناحية المذهبية التي كانت حرب العراق وإيران أولى نتائجها. وبالرغم من الدمار والخسائر البشرية التي تمخضت عنها تلك الحرب؛ فلم يتم استخلاص العبر والدروس من تلك الحرب المدمرة التي لم يربح منها أحد. ومُنذ ذلك التاريخ وكلا المعسكرين يخوضان حرباً فكرية سياسية وإعلامية ذات طابع مذهبي، ساهمت في إضعاف حس المواطنة، وتعظيم الهوية المذهبية بدلاً من تعظيم الهوية الوطنية الجامعة. ففي الدول التي تضم مذاهب مختلفة أصبحت الهوية المذهبية أكثر أهمية من الهوية الوطنية، ما أفسح المجال لاستغلال حالة الانقسام هذه في العديد من الدول، وخوض الصراعات السياسية على السلطة على أساس التحشيد الطائفي والمذهبي في دول مثل: سورية والعراق ولبنان واليمن وغيرها.
هذا الصراع السياسي ذو الطابع المذهبي شكل الأرضية الخصبة لظهور التطرف على جانبي الخليج العربي، وبدأت تظهر حركات تقوم عضويتها الحصرية على المذهب أو الطائفة.
الثورة الإيرانية ومحاولات تصديرها والنجاحات المحدودة التي حققتها بعض الحركات السياسية/المذهبية (كحزب الله) في لبنان أدت إلى تضخم في الهوية الشيعية، وشعورها بالفوز، ومحاولة فرض أجندة سياسية مرتبطة بإيران أكثر من ارتباطها بأوطانها. لقد قابل ذلك شعور بالعجز والخطر في الجانب السني، وتطور المظلومية السنية من جانب آخر، وبخاصة بعد الصعود الشيعي في العراق إثر الغزو الأميركي، وقمع الثورة في سورية، وإضعاف السنة في لبنان.
الحروب والصراعات الداخلية في العراق وسورية ولبنان واليمن، تخاض ضمن هذا الإطار، والنتيجة- حتى الآن- هي تدمير هذه الأوطان والدول، وقتل مئات الآلاف، وتشريد الملايين من أوطانهم، والنتيجة الحتمية هي هدم الدولة الوطنية.
لقد أدى ذلك لخوض حروب بالوكالة باللجوء لأكثر الحركات تطرفاً، وأثبتت التجربة العملية أن هذه الدول قادرة على خلق المشاكل والتعطيل، ولكنها غير قادرة على أن تكون جزءاً من الحل، وبالتالي استمرار الصراع.
التصعيد الذي يأخذ الطابع المذهبي يُغذّي التطرف، ويشكل بيئة خصبة للتنظيمات المتطرفة مذهبياً بالنمو والتوسع؛ لأنها الأقدر على حمل لواء الطائفية من غيرها. لايوجد رابح من الانزلاق للحرب المذهبية والطائفية سوى التطرف، وهي نقيض المعاصرة والحداثة وفكرة الدولة الحديثة؛ لأنه لايمكن لأي دولة أن تحقق النقاء المذهبي دون قتل أو طرد ذوي المذاهب الأخرى من خلال التطهير المذهبي، وهذا ما لايمكن حدوثه.
للخروج من هذا المأزق لا بد من تجاوز الأزمة الحالية، والشروع في بناء الدولة الحديثة القائمة على المواطنة لا الهروب الى الماضي، واجترار صراعاته وأشكال كياناته التي لايمكن أن تشكل بديلاً من الدولة الحديثة.
(الغد 2016-01-07)