فوضى التخطيط للمركز والأطراف

الفرق بين عمان وباقي المدن والقرى الأردنية واضح جلي. إذ إن العاصمة تحظى بالرعاية والخطط والمشاريع، حتى أمست ملاذا للأردنيين وغير الأردنيين، وأصبح التنقل بين أطرافها يتطلب في بعض الأحيان أوقاتا أطول من تلك التي يمضيها المرء في سيارته متنقلا بين عمان ومحافظات مجاورة.
يقول لنا إحصاء 2015 إن عاصمتنا تضخمت سكانيا بنسبة تقارب 110 % في غضون عشر سنوات. فبين العامين 2004 و2015، زاد عدد سكان عمان من 1.9 مليون نسمة إلى ما يفوق 4 ملايين نسمة. حتى إن إربد والزرقاء، وهما مدينتان كبيرتان تاريخيا، لا يشكل عدد سكانهما مجتمعتين ثلاثة أرباع عدد سكان العاصمة.
في غضون سنوات قليلة مقبلة، ستصبح عمان مستقرا لنحو نصف سكان الدولة. وهذا بحد ذاته يحتاج بنية تحتية هائلة وشبكة نقل عام متميزة وتجهيزات اقتصادية رئيسة لا أعتقد أنها متوفرة اليوم. والسؤال الأكثر أهمية: ما الذي يريده المخططون من عمان؟ هل تحويلها إلى أردن مصغر هدف استراتيجي بالنسبة لهم؟
تلقت العاصمة في عقد مضى موجات اللجوء العراقي وتزايد العمالة الوافدة من مصر، كما تمكنت في السنوات الخمس الأخيرة من استيعاب العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، بما يفسر سبب تضاعف عدد سكانها في غضون هذه الفترة.
كما تحولت هذه المدينة بكل تاريخها ومسار تطورها إلى واحدة من أكثر مدن العالم العربي وشمال أفريقيا غلاء، وضمن قائمة المدن الخمسين الأكثر غلاء على مستوى العالم، فكيف يمكن لأبنائها من اصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية التكيف مع هذا الغلاء المفتوح؟
بعد النتائج الصادمة نسبيا للتعداد على صعيد العاصمة، وكيفية تضاعف عدد سكانها خلال فترة ليست طويلة في حسابات النمو السكاني، فإن الأطراف ما تزال تئن تحت مطالب تنمية لم تتحقق، بخدمات لم تصل، وبنية تحتية لا تشبه تلك التي تتطور يوميا في عمان والزرقاء وإربد. وبيانات الديمغرافيا شمالا وجنوبا تشعرنا بحجم الخيبة أو الفشل التنموي بين العاصمة والمحافظات.
لا يمكن البناء على التعثر والفشل إلا بعد تجاوز ملامحه وأسبابه. وبموجب قانون اللامركزية، فإن الأطراف ستبحث في شؤونها وتطوير قدراتها الذاتية والتنافسية، بما في ذلك الإنفاق الاقتصادي لمجلس كل محافظة على حدة. وإذا كانت الحكومات المتعاقبة قد فشلت في تحقيق الحد الأدنى من التنمية في الأطراف، فهل معنى ذلك ترك هذا العبء لأبناء المحافظات أنفسهم؟
خلاصة القول؛ عمان تزداد تعقيدا وغلاء على أبنائها، وهي في موازاة ذلك جاذبة نسبيا للمقيمين -المقتدرين- من غير الأردنيين. وكل ما بذل لتركيز الاقتصاد فيها، يجعلنا اليوم نتساءل عن حجم الارتجال الذي حدث بحقها وحق سكان الأطراف في عقود مضت، ويدفع ثمنه غير القادرين على مواجهة قسوة المعيشة الاقتصادية، في دولة كانت مواصفات العيش فيها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي أبسط بكثير مما هي عليه اليوم.
(الغد 2016-01-12)