أمطار غزيرة في غربال !!

رغم وفرة ما يعقد في عمان من ندوات وفعاليات ثقافية، يستحق القائمون عليها العرفان والتقدير الا انها تبقى مبادرات مُتباعدة وما يسدل الستار عليها حتى تصبح في خبر كان، فهل السبب هو الافتقار الى سياق تلتئم فيه هذه المبادرات ام هو عزوف الناس عن كل ما ليس له صلة بالحياة اليومية وشجونها ؟ لن اتسرع بالاجابة، لكن لدي من القرائن ما يرجح ان الناس بالفعل مُنصرفون ومستغرقون في انهماكاتهم المعيشية، واول هذه القرائن هو ان من يترددون على الندوات يتكررون بشكل او بآخر ومنهم محترفو بحث عن فعاليات من هذا النوع لاسباب متعددة يصعب اجمالها في سبب واحد . وثاني هذه القرائن، ان عدد من يحضرون حفلات توقيع الكتب او اشهارها باستثناءات تكرس القاعدة لا يزيد احيانا عن اصابع اليدين، وثالث القرائن هو احصاءات الناشرين عن عدد النسخ المباعة من الكتاب الواحد، وان كان بعضهم يخجل من الاعتراف بالارقام الحقيقية ويهمس في آذان اصحابه ما يحول وجوههم الى علامات استفهام وتعجب ! ورابع القرائن ان اضخم المولات يخلو من صحيفة او كتاب حدي لأن الكتب المقررة علينا في الاكشاك والاسواق هي عشرة او خمسة عشر كتابا موزعة بين الابراج والريجيم والصالونات الاجتماعية والطبخ ! فما الحكاية ؟ وهل فقد الناس الرغبة في القراءة بسبب تعاظم الفجوة بين المنتج والمتلقي وكذلك تفاقم ازمة الثقة بالمكتوب والمنشور ؟ المسألة تستحق استقصاءات صحفية واستطلاعات جادة غير مطبوخة على عجل، لأن ما تقدمه تقارير التنمية البشرية عن منسوب القراءة في مجتمعاتنا يقرع اجراسا لا آخر لها، لكنها إما ان تكون خرساء وبلا رنين او ان السنتها من مطاط وليست من نحاس او انها تقرع في عالم اصابه وباء الصمم بحيث لم يبق طين او عجين الا تحول الى سدادات محكمة للاذان كي تجعل الفرد لا يسمع الا صوته هذا اذا استطاع سماعه ! لن نكرر تلك المقولات الموجعة التي يطلقها اعداؤنا علينا قدر تعلق الامر بالقراءة، لكن يعز علينا ان نلوذ بالصمت لأن الارقام والنسب المئوية لا تُجابه بثرثرة من أخذتهم العزّة بالاثم فالامطار غزيرة لكنها على غِربال !
(الدستور 2016-01-14)