هل تَتَغَيَّر قواعد اللعبة.. «الإقليمية»؟

يصعب تجاهل حقيقة ان المنطقة بعد رفع العقوبات عن ايران، ليست هي ما قبلها، وان معادلة التحالفات والاصطفافات التي كانت سائدة قبل تطبيع العلاقات بين طهران وواشنطن وتالياً طهران والاتحاد الاوروبي، ستكون مختلفة, ان لم تتحول الى انقلابية بالمعنى الجيوسياسي وبخاصة ان مؤشِرات لافتة عن تحولات في القراءة الاميركية، ازاء الاولويات التي عليها اتباعها بعد «تجربة» الربيع العربي المُخيِبة للآمال وسقوط رهان واشنطن على تيار الاسلام السياسي «المعتدل» الذي سوّقه اردوغان وباركت فيه صعود اخوان مصر الى سدة الرئاسة بالتواطؤ مع أو باستغلال ضعف وانعدام التجربة السياسية للمجلس العسكري الذي تولى قيادة مصر بعد تنحي حسني مبارك, والضغوط الاميركية الهائلة التي مورست على العسكر كي يُعلِنوا فوز مرسي بالرئاسة حتى لو تمت تغطيتها بفارق هزيل لا يزيد على واحد بالمئة.
هنا والآن، تحضر الاسئلة الكبيرة التي لن تجد لها اجوبة مباشرة او صريحة, قبل مرور وقت لتظهير الصورة الجديدة التي ستبدو عليها المنطقة، بعد ان تتحرر طهران من قيود واعباء واكلاف عقوبات قاسية ارهقتها وشلَّت قدرتها داخلياً وخارجياً (وإن كانت الاخيرة بنسبة اقل, حيث واصلت دعمها لحلفائها وراهنت على تعب الآخرين او الخصوم وخصوصاً الذين ناصبوها العداء سواء من العرب او من غيرهم)..
هل تستمر طهران في سياسة الترقب والانتظار والرهان على عامل الوقت، كي تستنفد طاقة خصومها وتَظْهَر بمظهر المُعتدِل، المُحبّذ للحوار والرافض الانسياق او الانزلاق الى حرب مباشرة, بعد ان اخذت الحرب بالوكالة بينها وبين خصومها وبخاصة السعودية، المدى الابعد دون ان تظهر دلائل على قرب انتهاء اي منها في المديين المنظور والقريب؟
وهل تُظهِر ايران ملامح سياستها الجديدة (بعد رفع العقوبات) في المداولات الدائرة الآن بين عواصم عديدة وخصوصاً موسكو وواشنطن في شأن انعقاد المفاوضات بين النظام السوري والمعارضات السورية؟ ام انها ستواصل الاعلان عن تأييدها لأي مسار سياسي للأزمة شريطة تحديد قوائم المنظمات الارهابية واسماء وفد او وفود المعارضات «السورية» قبل ان تُعلِن موقفها النهائي؟
بالمقابل، هل ستكون في الجانب العربي، الذي سقطت رهاناته على فشل اللحظة الاخيرة، كي لا يبدأ تطبيق الاتفاق النووي وبالتالي استمرار «الازمة» بين منتدى «الستة» وطهران، ما قد يطيل الفرصة لإحداث اختراق في احدى جبهات المواجهة المفتوحة مع طهران على اكثر من ساحة، نقول: هل ستكون في الجانب العربي فرصة لاستثمار المستجدات والتعاطي مع ايران وفق مقاربة جديدة تُخفِف من حدة التوتر وتفتح الطريق على حوار «قد» يُفضي الى تهدئة او هدنة او يفتح مساراً جديداً في أزمة انعدام الثقة المتفاقمة بين بعض العواصم العربية وايران؟
ثم..
كيف سيكون موقف الولايات المتحدة من علاقاتها الآخذة في التحسن–وربما الجيدة اذا ما تم القياس على الافراج السريع عن المارينز الاميركي الذين تم احتجازهم في المياه الاقليمية الايرانية، واطراء جون كيري على هذه الخطوة التي جاءت نتاج «التفاهم» بين واشنطن وطهران على ما قال بعد الافراج، رغم ان اسرائيل استثمرت الموضوع للشماتة بـِ»الاذلال» الذي الحقته ايران بالولايات المتحدة؟
من السابق لاوانه ايجاد اجوبة سريعة على اسئلة كبيرة «وملغومة» كهذه, في ظل استمرار الاحتقانات والتوترات وبخاصة سيادة حال الترقب والانتظار التي تحولت الى دهشة وربما خيبة امل في عواصم المنطقة بعد ان ظن كثيرون ان رأب الصدع في علاقات «لم تقم اصلاً» بين واشنطن وطهران سيكون صعباً إن لم نقل مستحيلاً.
يجدر بالعرب–والحال هذه–ان يستخلصوا الدروس والعِبر جيداً وقبل فوات الاوان، لأن نتائج وأكلاف ما يحدث من تغييرات ومستجدات بل وانقلابات في المواقف الدولية وخصوصاً الاميركية والاوروبية (دع عنك الروسية والصينية, التي هي اقرب الى ايران منها الى اي طرف عربي, أقلّه الان) ستكون كارثية عليهم, إذا ما واصلت مقارباتهم والسياسة التي ينتهجونها البقاء في دائرة «الفراغ» ذاتها, التي واصلوا «الإقامة» فيها منذ عقود.
(الرأي 2016-01-18)