الطريق الصحراوي.. حوادث مأساوية ومرارة في ذاكرة المصابين

المدينة نيوز - : ركبت في ذاك الصباح المشؤوم سيارة الاسرة في طريقها من عمان الى الكرك حيث كلية الطب في جامعة مؤتة التي كانت ( جميله شحادة ) احدى طالبات السنة السادسة فيها ، هي سنة التخرج التي ستغادر ( جميلة ) بعدها الكلية حاملة الشهادة التي طالما داعبت احلامها وخيالاتها منذ نعومة اظفارها ، شهادة جدت واجتهدت لنيلها بذوب النفس وسهر الليالي.

استقلت ( جميلة ) السيارة وفي الصحبة ابوان يغمرهما زهو وفرح بغاليتهم التي ستتخرج عما قريب لتحقق حلمها وحلمهم ب»طبيبة الاسرة « التي سيباهيان بها ، حلم كد الابوان لبلوغه وبذلوا لاجله عصارة النفس وعصارة المورد ، لكن القدر لم يشأ للفرحة ان تكتمل وللحلم ان يتحقق ، انطلقت سيارتهم تسابق براكبيها الزمن للوصول الى الجامعة فثمة درس وتحصيل ورغبة بتقدير تحصيلي متميز.

مذ بدأت الرحلة المفجعة لابد وتجاذب ثلاثتهم قبل ان يفاجئهم المصاب الجلل الذي لم يمهلهم طويلا اطراف الحديث، حديث تركز جله كما متوقع حول تخرج (جميلة) حيثياته، مستتبعاته، سعد الجميع ضحكوا فرحوا، دقائق مرت ،حل القدر زاغ البصر،انقلبت السيارة ذات صباح غطى ضبابه مدايات المكان ، وفي المشهد ايضا ثمة قطرات ندى او مطر بللت طريقنا الصحراوي سيء المسالك لتفقد السيارة توازنها ، حادث فاجع قتل من فوره (جميلة) واصاب الام باصابات طفيفة ، اما الاب المكلوم فلم يكفه القدر بما فجع بل اصابات بالغة لازال قيد العلاج يعاني بسببها الام الجسد وعذابات الروح.

ماحدث لـ (جميلة) وابويها ليس كل حكاية الطريق الصحراوي او بالاحرى طريق الموت ، فكل جنبات الطريق توشي ولازالت بحكايات كثيرة ، حكايات قتلت اطفالا ، شبابا ، رجالا ، نساء ، حكايات لاتراعي في احد الا ولاذمة ، فواجع الطريق الصحراوي لم تكن ( جميلة ) اولى ضحاياها فقبلها ذهبت حكايات الموت تلك بشابين في ربيع العمر منذ مطلع العام الحالي ، مأس لن تنتهي وستظل شهية الموت مفتوحة هناك طالما ظل الطريق بحاجة لما يصلح حاله حفظا لارواح بريئة منها من قضى ومنها من ينتظر.

وتشير احصائيات صادرة عن مركز طب شرعي الجنوب في الكرك بحسب مدير المركز /اخصائي الطب الشرعي الدكتور حسن الهواري، الى ان المركز تعامل خلال الايام القليلة المنقضية من العام الحالي مع ثلاث حالات وفاة حصلت في حوادث سير وقعت على الطريق الصحراوي.

فيما اشار الدكتور الهواري الى وقوع ( 26) حالة وفاة بحوادث سير على الطريق ابان العام الماضي من اصل (44) حالة وفاة شهدتها المحافظة خلال هذا العام بحوادث سير ليتضح ان اكثر من نصف هؤلاء هم ضحايا حوادث الطرق الذين قتلوا في المنطقة الممتدة ما بين الحسا ومنطقة السواقة ضمن محافظة الكرك ، فيما لم تشمل قائمة المتوفين من لاقوا حتفهم في مسافات الطريق الاخرى خارج حدود الكرك ، ناهيك كما اشار الدكتور الهواري عن عشرات الاصابات المقعد عن الحركة بعضها ،والاضرار المادية التي نتجت عن تلك الحوادث.

يثير الطريق الصحراوي بوضعه الحالي وبتزايد اعداد حوادث السير القاتلة التي طالما ذهبت بارواح الابرياء فرادى وجماعات، والذي يمتد لمسافة زهاء (300 )كيلومتر كشريان رئيسي يربط العاصمة عمان وشمال المملكة بجنوبة وبميناء العقبة مرورا بثلاث محافظات وانتهاء بمحافظة العقبة انتقادات كل من يسلكه من المواطنين وذلك جراء وجود عدة ثغرات منتشرة على طول الطريق.

الثغرات لخصها مواطنون بافتقار الطريق الى الكثير من المقومات التي تجعل منه طريقا امنا من حيث عدم توفير مايحتاجه من عوامل السلامة المرورية ، كما ان الطريق قياسا بحركة السير الكثيفة عليه في الاتجاهين وبحسب المواطن ابراهيم الجعافرة ضيق وسطحه مليء بالتشققات والحفر التي يحاول السائقون تفاديها مما يؤدي الى تغيير اتجاه سياراتهم التي قد تصادف سيارة في الاتجاه المقابل فتصطدما ، ناهيك عن ان الطريق كما قال الجعافرة وفي الكثير من المناطق يخترق بلدات وتجمعات سكانية مما يضاعف من خطورة السير عليه واغلب ذلك حوادث دهس المشاة.

وفي معرض انتقاد المواطنين لوضع الطريق الذي تسلكه مئات شاحنات نقل البضائع طيلة ساعات النهار والليل اضافة الى مئات سيارات وباصات نقل الركاب العمومية والسيارات الخاصة ايضا، يشير المواطنان عبدالله المعايطة وعلي المبيضين الى ان التأخيرالذي حصل في اتمام اعمال اعادة تأهيل الطريق التي تم للآن تنفيذ جزء منها غالبا ما افضى الى وقوع الحوادث لعدم توفير تحويلات مناسبة تتناسب وحجم حركة السير على الطريق.

ويأمل المواطنان المعايطة والمبيضين ان يتم تفادي هذا الامر في مراحل اعمال الصيانة الاخرى لكامل الطريق التي تعد الوزارة وفق ماصدر عنها من تصريحات لطرح عطاءاتها ضمن ست مراحل في غضون وقت قريب.

ويشير المواطن خالد الحجايا الى وجود فتحات افتعلها مواطنون في العديد من مواقع الجزيرة الوسطية التي تنصف الطريق الصحراوي ما يستدعي ان تقوم وزارة الاشغال العامة باغلاق هذه الفتحات التي غالبا ماتتسبب في وقوع حوادث سير خطرة وقاتلة.

كما طالب الحجايا بضرورة اضاءة الطريق على طول امتدادها خاصة في المواقع المرورية الصعبة وضمن المناطق السكنية التي تمر عبرها الطريق. وطالب الحجايا ايضا بتعزيز دوريات السير على الطريق طيلة ساعات اليوم لضبط المخالفين لقواعد وانظمة المرور فور ارتكابهم للمخالفة.

واذا كانت الانتقادات موجهة في اكثرها لوزارة الاشغال العامة فثمة اراء اخرى لمواطنين تحمل سائقي السيارات جانبا مهما من مسؤولية الامر ، ويقول المواطن محمد الصعوب ان مشاهد كثيرة لمن يمرون بسياراتهم عبر الطريق الصحراوي لسائقين متهورين يسابقون السيارات المارة امامهم بسرعات عالية ، ويتجاوزونها حتى في اكثر مناطق الطريق خطورة ، وهذا من وجهة نظر الصعوب اهم سبب من اسباب وقوع حوادث السير خاصة.

وقال :» عند تنفيذ اعمال صيانة او توسعة للطريق تؤدي الى جعل السير على مسرب واحد من الطريق» ، مشيرا ا الى ماتسببه سيارات الشحن التي تتواجد بكثرة على الطريق وفي الاتجاهين من اختناقات مرورية تفضي احيانا الى حوادث، مقترحا ان يكون هناك طريق خاصة لمرور الشاحنات عليها.

تصاعد وتيرة الشكوى من حالة الطريق الصحراوي المأساوية حدت بوزارة الاشغال العامة الى اتخاذ خطوات جادة وسريعة لمعالجة وضع الطريق ومن ذلك توفير المخصصات المالية لاعادة انشاء وتأهيل كامل الطريق اما على حساب المنحة السعودية او على حساب مخصصات مالية وصفتها الوزارة بالميسرة.

وزير الاشغال العامة سامي الهلسة قال في تصريحات صحفية سابقة،انه تم توفير مبلغ ( 65 مليون دولار) لاعادة تأهيل الطريق من الصندوق السعودي للتنمية ، فيما سيتم العمل وفق تصريحات الوزير على توفير مبلغ (95 مليون دولار) على حساب التمويل الميسر لتصبح قيمة كلفة العمل المراد اجراؤه (170 مليون دولار)، حيث يتوقع انجاز هذا العمل خلال عامي (2016 – 2017) وعلى ست مراحل.

حاليا، تعمل الوزارة على اعادة تأهيل جزء الطريق الصحراوي الممتد ما بين جسر سواقة واستراحة البعلبكي بطول خمسة كيلومترات حيت تم اغلاق احد مسربي الطريق هناك وبحيث اصبح المسرب الاخر معتمدا لعبور السيارات المارة بالاتجاهين.

وبخصوص تكثيف رقابة دوريات شرطة المرور على الطريق لضبط ما يقع عليه من مخالفات مرورية بشكل فوري قالت مصادر في ادارة السير والمرور ان الطريق الصحراوي وعلى امتداده متابع من قبل دوريات الطرق الخارجية من حيث الدوريات الثابتة التي تتواجد في العديد من المواقع مستخدمة أجهزة الرادار لضبط السائقين المخالفين بتجاوز السرعات المقررة المبينة على اللوحات الارشادية على طول الطريق او التجاوز او اية مخالفة لانظمة وقوانين السير المرعية. ( الرأي  )