لبنان: الجنرال والحكيم والشيخ والسيد الغالب

قبل أقلّ قليلاً من عشر سنوات، كنّا: رندا حبيب، سميح المعايطة، وأنا، نجري مقابلة تلفزيونية مع الجنرال ميشال عون في بيته في الرابية، وكانت رشحت لنا معلومات أنّ هناك اتصالات سريّة له مع حزب الله، وقُبيل إنتهاء الجلسة المهمّة، باغتّه بسؤال: جنرال، واضح أنّ خلافاتك مع أغلب الأطراف السياسية كبيرة، فمن سيكون حليفك المستقبلي؟ أجاب، بسرعة: حزب الله!
كان ذلك بالنسبة لنا سبقاً إعلامياً، حتى على الفضائيات اللبنانية الشهيرة، خصوصاً أنّ المقابلة بُثّت مساء اليوم نفسه على التلفزيون الأردني، في الوقت الذي كان الجنرال فيه يوقّع على وثيقة تفاهم “استراتيجية” مع السيد حسن نصر الله، أمّا نحن فكنّا نُلبّي دعوة من المخرج في مطعم سمك شاطئي في جونيه، حيث جاءني صاحبه وقال بحدّة: كان عليكم أن تقابلوا الحكيم “سمير جعجع”، فهو الممثل الحقيقي للمسيحيين في لبنان!
تذكرتُ تفاصيل ذلك قبل قليل، وأنا أتابع “الحدث التاريخي” حيث استضاف الحكيم الجنرال في “معراب/ معقل القوات اللبنانية”، وأعلن ترشيحه له رئيساً للجمهورية، ناسياً أن يُعلن سحب ترشيحه هو، باعتباره كان ما زال حتى تلك اللحظة مرشّحاً رسمياً، في مفارقة تتحدّث ضمناً عن الرمال السياسية اللبنانية المتحركة، التي لا يمكن أن تستقرّ في مكان، وعن “البراغماتية” التي تتجاوز ما قصده الذي اجترح هذا المفهوم السياسي، فصارت تذهب من النقيض إلى النقيض، والغريب أنّ اللبنانيين ما زالوا يسمّون ميشال عون بالجنرال مع أنّه ترك العسكر وصار سياسياً منذ ربع قرن، وسمير جعجع بالحكيم مع أنّه ترك الطبّ قبل أكثر من ثلاثين!
وما أوصل إلى ذلك الخلط الرملي الجديد، في الأوراق، هو ترشيح الشيخ سعد الحريري لخصمه السياسي التاريخي سليمان فرنجية، فذلك ترشيح مُشابه، وأكثر تعقيداً، فسليمان فرنجية صديق شخصي لبشار الأسد، ذلك الذي يتّهمه الأول مباشرة بقتل أبيه، ولكنّ سمير جعجع الذي يتّهمه فرنجية مباشرة بقتل أبيه، صار عليه أن يهرب إلى الأمام، حيث أقلّ الضررين، فاستجار بنار الجنرال من رمضاء سليمان، وبالتالي بشّار!
وهناك شعار سياسي تاريخي لبناني مُكرّس يقول: ”لا غالب ولا مغلوب”، وهو الذي جعل من استمرار اللعبة الداخلية، وتبادل الأدوار فيها، ممكناً حتى يوم أمس، ولكنّنا الآن نشهد غالبين ومغلوبين، حيث حزب الله هو الطرف المرجّح، مع عون أو فرنجية، وهكذا فهو مع حليفه التاريخي بشّار الرابحان في مطلق الأحوال، ويبقى أنّ الشيخ سعد الحريري يستطيع أنّ يُعيد خلط الأوراق مرّة ثانية، فيؤجلّ إنتصار غريمه، وهذا سيكون تأجيلاً لإعلان الأمر الواقع، لا أكثر ولا أقلّ، اللهمّ إلاّ إذا كان للاعبين الدوليين رأي آخر، وهذا ممكنّ أيضاً، فألم نقل لكم إنّها لعبة رمال مختلطة مبعثرة، كان اسمها: لبنان!
(السبيل 2016-01-20)