قتل الفلسطيني على الشبهة
![قتل الفلسطيني على الشبهة قتل الفلسطيني على الشبهة](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/d9d15e67ee4eeaec348addfd09060a8a.jpg)
منذ ما يقرب من سبعين عاماً والفلسطينيون يقتلون على أيدي عصابات الوكالة اليهودية أولاً، وعلى أيدي عصابات الكيان الصهيوني ثانياً، وهكذا ليس قتل الفلسطيني أمراً جديداً، لكنه اليوم في «دوحة الديمقراطية الصهيونية» أصبح «حادثة» يومية أكثر شيوعاً من حوادث المرور، ويتم في وضح النهار وعلى الشبهة!
بعد أسبوع من البحث عن الشهيد نشأت ملحم وتحديداً يوم 11-1-2016، تناقلت وكالات الأنباء خبراً مرّ بسرعة، مفاده أن جهاز المخابرات «الإسرائيلية» (الشاباك) اعتقل فتاة فلسطينية (اسمها فاطمة الزبارقة من قرية الطيبة، في المثلث الجنوبي) في مستوطنة نهارياً بحجة أنها «تنوي» تنفيذ عملية فدائية، وكانت الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» قبل اعتقالها أعلنت «حالة التأهب القصوى» بعد ورود «معلومات» عن فتاة فلسطينية «تتجول في المدينة وبحوزتها حزام ناسف، وفي نيتها تنفيذ عملية في موقع مزدحم»، وجاء في تقارير «إسرائيلية» في وقت لاحق أن «التحقيق جار لمعرفة ما إذا كانت تنوي فعلا تنفيذ عملية أم لا، وما إذا كان في حوزتها أية أسلحة مثل سكين أو ما شابه»، ولم يأت الحديث عن حزام ناسف كما سبق وذكرت قناة تلفزيونية «إسرائيلية».
وبسبب الرعب الذي أشاعته عملية الشهيد نشأت ملحم في «تل أبيب»، اكتشف بعض الصهاينة أن فلسطينيي الداخل ليسوا «إسرائيليين» بل عرب، وتحولوا في نظر الصهاينة إلى «طابور خامس» وارتفعت موجة التحريض ضدهم، تلك الموجة التي بدأها بنيامين نتنياهو في حملته الانتخابية الأخيرة. ولأن ملحم والزبارقة كلاهما من فلسطينيي الداخل، أضيف إلى «تبريرات» التحريض مبرر جديد.. وهكذا أطلق نتنياهو حملة التحريض الجديدة، فأعلن تهديداته بأنه لن «يقبل بوجود دولة داخل الدولة، ولن يقبل بوجود جيب صغير في الدولة لا ينصاع للقانون»، وكان ذلك بمثابة إعطاء الضوء الأخضر لكل أطراف الجوقة المتطرفة الحاقدة لترفع عقيرتها بالتحريض، فامتلأت الصحف بالمسموم من القول، وزادت استفزازات المستوطنين في كل الأراضي الفلسطينية.
وحتى أولئك الذين كانوا يبدون وكأنهم يتوجهون بدعوات إلى ضرورة «التعايش بين العرب واليهود في الوسط العربي»، انطوت مقالاتهم على التحريض نفسه. ففي مقال كتبه أمنون روبنشتاين ونشرته صحيفة («إسرائيل» اليوم - 15-1-2016)، تحدث عن «انعطافة في الوسط العربي»، نتيجة لقراءته أحد الاستطلاعات التي أجريت، واستنتج أن «شيئاً خطيراً يحدث في أوساط الأغلبية الساحقة في الجمهور العربي في «إسرائيل»، ولا يجد تعبيره في تمثيلهم في الكنيست».
ومن يستمع إلى مزاعم «الإسرائيليين» ومعاملتهم لفلسطينيي الداخل، مجبر على التذكير ببعض ما مروا به من عنت وتمييز وفاشية في ظل «الديمقراطية «الإسرائيلية». وقد تحدثت عن شيء من ذلك المحامية رغد جرايسي، في مقال لها نشرته صحيفة (معاريف- 17-1-2016) وقالت: «تصنيف العربي على أنه مشبوه بشكل تلقائي، ومطاردة العرب بسبب انتمائهم القومي، والبحث في منازل الشباب العربي بطريقة فظة واستعراضية، وعدم شرعنة الآخر لكونه آخر، والعقاب الجماعي، هذه ليست مساواة ولا ديمقراطية»!
لكن جرايسي لم تذهب إلى ما كان يمكن أن يثير حولها «شبهة» فتقع في المحظور، فهي في نهاية الأمر عربية، خصوصاً أن المقال نشر في صحيفة «إسرائيلية». الحقيقة منذ البداية هي أن فلسطينيي الداخل ليس وحدهم من يتعرضون لكل المخاطر حتى القتل على الشبهة، بل كل فلسطيني بصرف النظر إن كان من الداخل، أو من الضفة أو من غزة، وأحياناً كثيرة تعرض من كانوا في الشتات للقتل والاغتيال. هذه الحقيقة، اليوم على الأقل، أصبح يتحدث ويكتب عنها بعض «الإسرائيليين» ممن يحركهم ضميرهم خوفاً على «إسرائيليهم» أكثر مما يحركهم الظلم الواقع على الفلسطينيين. من هؤلاء الكاتب الصحفي جدعون ليفي الذي كتب في (هآرتس- 17-1-2015) يقول: «إسرائيل» تعدم من دون محاكمة بشكل يومي تقريباً. كل وصف آخر هو كذب، وإذا كان في السابق جدال حول أوامر فتح النار، فاليوم كل شيء واضح: يجب إطلاق النار من أجل القتل لكل فلسطيني مشبوه»، ويورد ليفي في مقاله عدداً من الأمثلة التي تم فيها قتل «المشبوهين»، فذكر أسماء: مهدية حماد (40 سنة)، سماح عبد الله (18 سنة)، أشرقت قطناني (16 سنة)، لافي عواد (20 سنة).
ونتيجة لهذا الوضع الذي أصبح سائداً، ويجد تأييداً وتبريراً له ودفاعاً عنه من قبل القيادات «الإسرائيلية» الحكومية والحزبية يميناً و«يساراً»، دعت وزيرة خارجية السويد مارغوت وولستروم إلى فتح تحقيق بشأن «إعدام «إسرائيل» فلسطينيين من دون محاكمة»، فأعلنت عليها تلك القيادات «الإسرائيلية» حرباً شعواء ومنعتها من زيارة فلسطين المحتلة، لكن قتل الفلسطيني على الشبهة، كما قلنا، ليس جديداً. كل أشكال العقاب الفردي والجماعي مارسته السلطات «الإسرائيلية» وبطرق مختلفة على مدى سبعين عاماً، لكنها كانت تنكره وتتبرأ منه، أما اليوم فلجأت إلى «شرعنته» وجعلته عملاً يقع في نطاق «الدفاع عن النفس». ولم يكن من الممكن أن يحدث ذلك لولا الدعم غير المحدود الذي لقيته من جانب أسيادها في الغرب الاستعماري وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تجد في القاموس أفضل من عبارتي «ضمان أمن «إسرائيل» و«حق «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها ومواطنيها»... يضاف إلى ذلك سكوت الأنظمة العربية، أيام كانت هناك أنظمة، على الممارسات «الإسرائيلية»!
(الخليج 2016-01-21)