ليبيا: من المُبكر تنظيم.. «الاحتفالات»!

لم تُبصِر حكومة «الوفاق الوطني» التي تم الاعلان عنها في ليبيا قبل يومين, النور بعد، رغم الاعلان عن اسماء وزرائها الـ»32» والتي جاءت وِفق وصف أحد النواب، على قاعدة «الجهوية والمحاصصة»، وإن كان من المُبكِر «نعيها» إلاّ ان من السذاجة الاعتقاد بأن حكومة «رجل الأعمال» فايز الشرّاج، مُؤهلة للإقلاع أقله في انتظار المهلة التي مُنِحَت لطرفي النزاع ومدتها «اسبوعان» كي تنال الحكومة العتيدة ثقة مجلس نواب «طبرق» المُعترف به دولياً، ما يعني ان «صلاحية» المؤتمر الوطني الذي يشكل الدعامة السياسية لقوات «فجر ليبيا» التي تُسيطِر على العاصمة طرابلس قد انتهت، دون ان نعرف ما إذا كان اعضاء المؤتمر وباقي الميليشيات النافذة في طرابلس، قد وافقت على هذه الصيغة «نهائياً» أم أن توقيع بعضها – تحت الضغوط الاوروبية الهائلة – قد يتم التراجع عنه، على النحو الذي رأينا بعض تجلياته في تعليق «عضوين» من المجلس الرئاسي عضويتهما فيه، ما اثار المخاوف بأن الأمور ستنتهي، سواء بعد نيل الثقة أم قبلها، الى حكومة من طرف او لون واحد، ما يُعيد الى الاذهان مصير الاتفاقات والتوافقات التي تم التوقيع عليها ثم ما لبثت أن انتهت الى الفشل.
من هنا، فإن التجربة الليبية «المريرة» في انهيار الاتفاقات وبروز شبح استمرار الحرب الأهلية وتفكك ما تبقى من هياكل هشة للدولة الليبية (المُفترضة بالطبع لأن الأخ العقيد لم يترك «إرثاً» كهذا في عهده الميمون) وخصوصاً امكانية تمدُّد داعش واحتمال سيطرتها على الهلال «النفطي» المُمتد من شرق مدينة سرت حتى تخوم بنغازي، يزيد من منسوب التشاؤم، بقدرة الاطراف الليبية المُتحاربة على التوافق او التزام التواقيع «الأخيرة» للذين أعادوا الاعتبار لاتفاق الصخيرات وارتضوا – ولو تحت الضغوط – المُضي قُدماً في احترامه وصولاً الى تسوية مقبولة على الاطراف كافة، تُؤسِس لحكومة قادرة على لمّ شمل الليبيين وإعادة اعمار بلادهم وانقاذ ليبيا من مخاطر وأكلاف سيطرة داعش عليها لاقامة إمارة او ولاية اخرى تابعة لدولة الخلافة او ربما تكون هي دولة الخلافة, في حال سقطت دولة «ابو بكر البغدادي» في الرِقة وتم تحريرها والموصل العراقية.
وإذا كان المبعوث الأممي مارتن كوبلر قد سارع (ورهط من وزراء خارجية بعض دول الاتحاد الاوروبي بما فيهم فيدريكا موغريني) بـِ»تهنئة» الشعب الليبي ورئاسة مجلس الوزراء بتشكيل حكومة الوفاق الوطني, على ما جاء في تغريدة له اضاف اليها دعوة لمجلس النواب الى الاجتماع «سريعاً» ومنح الثقة للحكومة, فإن من اللافت في كل هذه «الحمأة» السياسية والدبلوماسية الاوروبية التي تغيب عنها أو تُغَيّب جامعة الدول العربية وأي بلد عربي آخر, بعد أن لم تعد ليبيا أو تكاد شأناً عربياً, هو قرع طبول الحرب التي تُسمع بوضوح في عواصم الغرب الامبريالي وبخاصة في ايطاليا وفرنسا وحتى المانيا, ناهيك عن الولايات المتحدة التي لا تُخفي صحفها البارزة والمؤثرة مثل نيويورك تايمز و وول ستريت جورنال, وجود استعدادات اميركية للتدخل في الشأن الليبي كـَ»التودُد» الذي تقوم به واشنطن لبعض الميليشيات المسلحة «وغير الموثوق بها» على حد قول نيويورك تايمز لمساعدتها في محاربة داعش, فضلاً عما تكشف عنه وول ستريت جورنال, من أن الادارة الاميركية تنوي التدخل في ليبيا ليس لانقاذها وانما لتخوفِها من اقامة دولة الخلافة فيها وتحويلها الى ملاذ «للجهاديين».
هذا التزامن غير البريء بالتأكيد, بين الاتفاق على تشكيل حكومة وفاق وطني, أخذ طابع التسرّع أو الاستيلاد القيصري مع تلويح بالتدخل العسكري تُبدي حماسة له روما وباريس ولندن والمانيا, ينطوي على سيناريو تدخل عسكري, قد يأخذ طريقه الى التطبيق, بعد أن يتم «إشهار» حكومة فايز الشرّاج والاعتراف الدولي السريع بها كحكومة «شرعية» نالت ثقة البرلمان المُعترَف بها واعتبار من يرفع السلاح ضدها خارجاً على الشرعية وهدفاً للحملة الجوية الغربية, ربما تتم تحت راية حلف الاطلسي كما كانت الحال بعد استغلال الغرب الاستعماري لقراري مجلس الامن 1970 و1973, والذي انتهى الى غزو ليبيا والى تدميرها وتحويلها الى ساحة للفوضى والفلتان الامني والتفكُّك وخصوصاً تكاثر المنظمات الارهابية على ارضها.
في السطر الاخير... تبدو ليبيا, رغم كل ما تضُج به الفضائيات وما تحفل به التعليقات والتصريحات, بعيدة عن السلام والتوافق وبالتالي من المُبكر كثيراً تنظيم الاحتفالات, بعد أن خرجت الامور في الجماهيرية «السابقة» عن نطاق السيطرة وكادت تدخل نقطة... اللاعودة.
(الرأي 2016-01-21)