محاور خطبة الجمعة المقترحة : الرزق وسبب البركة فيه
المدينة نيوز - نشرت وزارة الاوقاف عناصر مقترحة لخطبة الجمعة بتاريخ 22/1/2016 ، والتي حملت عنوان : "الرزق وسبب البركة فيه " .
وتاليا محاور الخطبة :
• قدّر اللهُ الأرزاقَ للناسِ كما قدّر الأعمار، وأمرَ الناسَ بالسعيِ والعملِ طلباً للرزقِ، وفضّلَ بعضَ الناسِ على بعضٍ في الرزق ليتخذَ بعضُهم بعضاً سُخرياً، وتتكاملُ حياةُ الناس ويخدِمُ بعضُهم بعضاً. لقد جعل الله سبحانه الأموالَ فتنةً واختباراً في تحصيلها وإنفاقها، وقد شرع الله لعباده طرقاً لتحصيلها مبنيةً على العدل، وشرع لعباده طرقاً لإنفاقها على الوجه النافع للعبد في دينه ودنياه. شرع الله للإنسان كسبَ المال بالعمل والتجارة وغيرها، وحرّم عليه السرقةَ والغِشَّ وأكلَ أموال الضعفاء وأكلَ الربا وغيرَها. فكان الناسُ في ذلك أشتاتاً. منهم من استعجلَ الرزق الذي قد كُتِبَ له بالحرام، ومنهم من اتقى الله وانضبط بأوامره، فسعدَ في الدنيا والآخرة.
• حثّ الدينُ الحنيفُ على العمل وأكّد على فضل من يسعى على رزقه بالعمل الحلال، فقال ﷺ: "لَأَن يحتطبَ أحدُكم حزمةً على ظهره خيرٌ له من أن يسأل أحداً؛ فيعطيه أو يمنعه". فإن أفضلَ الرزقِ ما كان من عملِ اليدِ وعَرَقِ الجبينِ، قال ﷺ: "ما أكلَ أحدٌ طعاماً قطُّ خيراً من أن يأكلَ من عملِ يدِه" رواه البخاريّ. وما هذا الاهتمامُ بالعمل والحثُّ على الإنتاج إلا دلالةٌ واضحةٌ على مكانة العمل ودوره في ارتقاءِ المجتمعات ورخاء حياة الناس فيه، فضلاً عما يحققه العمل والإنتاج من أمنِ المجتمع واستقراره.
• إنَّ من أهمِّ أسباب الرزق والبركة فيه التزامَ الحلال الطيب، فقد كافأَ اللهُ تعالى من التزم الحلال في كسبه وعمله، في الدنيا قبل الآخرة، فالله سبحانه يبارك له في المال الحلال مهما قلّ، تراه يعيش حياةً هنيةً هو وأهله، لأنه أطعمهم الطيِّب، فأطابَ الله حياتهَ، أما إذا أخذه من وجهٍ حرامٍ نزع اللهُ البركةَ منه، مهما كثر هذا المال، تراه يملك المالَ الكثيرَ إلا أنه لا يرضيه ولا يقنعه، فيحيا حياةً شقيةً تعيسة. الله سبحانه يبارك الحلال ويمحق الحرام، كما قال اللهُ في الربا: "يمحقُ اللهُ الربا"، وهذا على مستوى الأفراد والدول، وقد رأينا في الأزمة الاقتصادية العالمية كيف مُحِقتْ دولٌ عظمى بسبب الربا. وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: "وَلا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالاً مِنْ حَرَامٍ فَيُنْفِقَ مِنْهُ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيه، وَلا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ". رواه الإمام أحمد.
لقد أمرنا الله عز وجل بالابتعادِ عن أكل المال بالباطل، (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)، بل أن نبتعدَ عمّا فيه شبهةٌ ويحتملُ أن يكونَ حراماً، قال ﷺ: "إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وإنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَينَهُما أُمُورٌ مُشتَبهاتٌ، لا يَعْلَمُهنّ كثيرٌ مِن النَّاسِ، فَمَن اتَّقى الشُّبهاتِ استبرأ لِدينِهِ وعِرضِه، ومَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ، كالرَّاعي يَرعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرتَعَ فيهِ، ألا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ محارِمُهُ" الحديث. رواهُ البُخاريُّ ومُسلمٌ. إنّ المسلمَ مطالبٌ أن يكون حريصاً على ما يَطعَمُ ويُطعمُ عيالَه، يقول ﷺ: «مَنِ استطاعَ منكم ألا يجعلَ في بطنِهِ إلا طيِّباً فليفعلْ، فإنَّ أولَ ما يُنْتِنُ منَ الإنسانِ بطنُه» حديث صحيح أخرجه الطبراني، وابن أبي الدنيا في الورع واللفظ له. إنَّ رسولَ الله أسوةٌ حسنةٌ لنا، كان يتقي ما فيه شبهةٌ أو شكٌّ أنه لا يَحِلُّ له، ويربّي على ذلك الطفلَ الصغيرَ. روى البخاريُّ أنَّ الحسنَ رضي الله عنه أخذَ تمرةً من الصدَقةِ -وكان صغيراً- فقال النبيُّ ﷺ: «كَخ ٍكَخٍ، أَلْقِها». وهذا عمر بن عبد العزيز كان له سراجان: سراجٌ من مالِه الخاصِّ يستعمله في حوائجِه، وسراجٌ من بيتِ مالِ المسلمين، يستعمله في قضاءِ حوائجِ المسلمين، فإذا انتهى أطفأَه وأشعلَ سراجَه.
• إنَّ من أكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ الغشَّ، ولقد تبرّأَ رسول الله ﷺ ممن يغُشُّ الناس، وبيعَ ما فيه غررٌ وجهالة، لذلك يجب على البائعِ أن يبيِّنَ عيوبَ السلعةِ للمشتري، فقد مَرَّ رسولُ الله ﷺ يوماً عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟». قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» رواه مسلم. وللهِ درُّ أبي حنيفة النعمان، ما أورعَه، كان يشاركُ رجلاً في تجارةِ الملابس، أرسلَ أبو حنيفةَ لشريكه بضاعةً، لكن كان فيها ثوبٌ معِيب، وأوصى شريكَه أن يبيّنَ ما فيه من العَيب عندَ البيع، فباعَه الشريكُ ولم يبينْ العيبَ نسياناً، اشتراه رجلٌ ولم يعلمْ أنّ فيه عيباً، فلمّا علمَ أبو حنيفةَ بعدَ حينٍ ما جرى، تصدّقَ بثمنِ المتاعِ كلِّه، وكان ثلاثين ألفَ درهم، وفارق شريكَه.
• الكيّس من حاسبَ نفسَه قبل أن تُحاسب، ووزن أعماله قبل أن توزن، وتحرّى مصدرَ رزقه، فمن يعملْ مثقالَ ذرةٍ خيراً يره، ومن يعملْ مثقالَ ذرةٍ شراً يره. عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ. رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• إن من أسباب الرزق والبركة فيه: تقوى الله عز وجل في السرِّ والعلن، والخوفَ منه وامتثالَ أمره واجتناب نهيه والبعدَ عن المعاصي، قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) أي يأتيه الرزق من حيث لا يخطر على باله. قال ابن مسعود رضي الله عنه: إنّ أكبر آية في القرآن فرحاً: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً). وقال تبارك وتعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض).
• ومن الأسباب المؤدية إلى كثرة المال والرزق في الدنيا: صلة الرحم. والمقصود بالرحم الأقارب، سواءً كان ذلك من طريق الأب أو الأم. ومعنى صلة الرحم تقديمُ الإحسان بكل أنواعه حسية ومعنوية، سواءً كانوا صغاراً أو كباراً نساءً أو رجالاً يسكنون في بلدك أو بعيدون عنك، روى الإمام البخاريُّ في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه". ولهذا بوب البخاري رحمه الله فقال: باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم.
• ومن أسباب الرزق والبركة فيه: الإنفاق في سبيل الله. فمتى ما أنفقتَ من مالك كان ذلك سبباً لكثرته، كلما أخرجت زاد المال، قال الله تعالى: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه) أي يعوّضكم بدلَه وخيراً منه، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: قال اللهُ تبارك وتعالى: "يا ابن آدم أَنفِقْ أُنفِقْ عليك". وقال ﷺ: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدها: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً". رواه البخاري من حديث أبي هريرة.
• وإن من أسباب الرزق: التوبةَ إلى الله والرجوعَ إليه واستغفارَه، قال الله تعالى: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً). وجاء في القرآن الكريم على لسان نبيِّ الله هود عليه السلام: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين).