حياة عمان الليلية
![حياة عمان الليلية حياة عمان الليلية](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/b4b053c8d1ae3463fffac6435435f711.jpg)
تستأخر نفسك إذا جئت بعد العشاء، فالليل في الشتاء يعني «الكنكنة» المبكرة في رحاب العائلة وأقصى السهرة كيلو»نقرشة» أو كيس أشياء زاكية أمام شاشة التلفاز أو زيارة عائلية وجلسة في الحديقة أو البرندة صيفا ليس من باب أن هذا المتاح فقط ولكن هذا ما درج عليه المجتمع الأردني المعروف بتماسكه ونمطه العائلي المحافظ، وما تفرقنا بين شباب وفتيات وكبار إلا حديثا فأصبح لكل خروجه مع أقرانه وحدهم واهتماماتهم وأصبحنا صناديق مغلقة حتى على أقرب الناس إلينا!
ولسذاجتك قد تظن أن كل المجتمع طيبون مثلك يسهرون على قناة الجزيرة أو فتافيت أو بالكثير فيلم على قنوات الأفلام، وإذا كنت أكثر «لحلحة» ودراية ستفكر أن هناك شرا في المجتمع لا ريب ولكنك ستميل إلى تقليله وإنكاره، فالقوقعة النظيفة التي تعيش فيها يكسوها لون البياض والطهارة بحيث لا ترى ألوانا أخرى من النذالة والقذارة والتردي الأخلاقي التي لم تعد تختبئ تحت السطح بل صارت تحتضنها نواد وفنادق ومقاهٍ وخمارات مصرح لها بالعمل بل مرحب بها لأنها مصنفة عالميا في قائمة الخمسة نجوم وهي ضرورية لصورتنا أمام العالم، وكأن صورتنا المحافظة الأصيلة المصونة بعزم رجالنا الشجعان والنشامى والمزنرة بمدارق وأثواب أمهاتنا الساترة المسبلة لم تعد تكفينا!
«كانت عمان تنام الساعة التاسعة» هكذا يخبرني والدي عن فترة الستينيات والسبعينيات، مع أنها كانت بداية التغريب والبعد عن الدين، ولكن الأصول والقواعد كانت تحكم حياة الناس، وعمان كانت مدينة تنام باكرا وتصحو باكرا، فأهلها يكدون ويجتهدون لحياة أفضل، ولم تكن تعرف عن المدن التي لا تنام سوى أسمائها!
وهذا التاريخ التراكمي من المحافظة والعادات والتقاليد الرصينة تجعلنا نستنكر أشد الاستنكار انتشار الفواحش واحتضانها وتسويقها في الفنادق التي لم تبالِ بانتهاك الكرامة والرمزية الأردنية، فجعلت الراقصات بملابس السباحة يتمايلن على الأغاني الوطنية ويقلدن مشية الجيش وتحيته! بل يقدم أحد الفنادق عروضا تشبه عروض العري في الغرب «الاستربتيز» بفتيات يتمايلن بحركات جنسية استعراضية مقرفة، والطامة أن دورهم كما هو معروف لا يقتصر على الاستعراض، والأدهى أن الأمر ما عاد خفاء بل انتشر على الملأ من خلال وسائل التواصل التي تظهر جمهورا كبيرا في الحضور تجعل أصحاب الفطرة الأردنية السليمة النظيفة يسارعون إلى الإنكار والقول: هذه ليست عمان! هذا مش عنا! اللهم حوالينا ولا علينا! فهل تنكرت عمان لنا ولتاريخها أم أصبح من يعضون على لحاء الفضيلة والحياء أقلية لا حيلة لهم سوى الاستغفار والحوقلة؟!
كنا نسمع بدعوات علنية من إعلاميين وصحفيين لعلمنة الأردن وكنا نظنهم شرذمة قليلين مدفوعي الأجر ولكن يبدو أن وراء ما يطالبون به جمهورا عريضا وقد انقسم المجتمع إلى محافظين ومفرطين متفرنجين لا يقيمون وزنا لدين ولا أخلاق ولا فضيلة ولا قانون!
لسنا بدعا من المجتمعات، فلطالما وجدت الرايات الحمر المنصوبة لنداء رواد الفواحش ولكن الفرق أن هناك من كان لهم بالمرصاد رفضا وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وإقامة لمؤسسات بديلة تقدم للناس خيار طريق الهدى.
أما أولئك المكتفون بأضعف الإنكار وبإغلاق أبواب بيوتهم ومحاولة التطويق على أبنائهم عليهم فلا أمان لهم فقد ضل ابن نوح لما طغى الضلال على المجتمع ولم ينفعه أو يشفع له انه خرج من بيت مؤمن!
لقد علا الفجار وأصبحوا يخرجون إلى السطح دون رادع ولا محاولة للتخفي فما دور الأبرار حتى لا تهلك هذه القرية وهي عامرة؟!
أنا كتبت ووعيت وتواصلت مع من اعرف من المؤسسات والمؤثرين لتبني قضية الدفاع عن الأخلاق والفضيلة، وأنتَ وأنتِ وأنتم ماذا فعلتم لنعذر إلى الله ونحافظ على هذا الوطن الذي ما عاد لنا رأس مال غيره؟!
لا تطمئن انك نمت على وضوء ووضعت منبهك لصلاة الفجر فهناك مستيقظون للفواحش تضج بأفعالهم الأرض والسماء ولن يقبل الله منك حتى تغير وتدعو إلى الحسنى.
(السبيل 2016-01-26)