خصخصة الإسمنت والفرص المهدورة
![خصخصة الإسمنت والفرص المهدورة خصخصة الإسمنت والفرص المهدورة](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/9da3a484ba800d4250a0029fd000b0ec.jpg)
ليس هناك مُناسبة للحديث عن الخصخصة عموماً، ولاسيما شركة مصانع الإسمنت، سوى أن الشريك الاستراتيجي "لافارج" الذي استحوذ على غالبية أسهم الحكومة، قد اندمج مع شركة هولدسن السويسرية، والتي يبدو أنها اتخذت أو على وشك اتخاذ القرار برحيل مصانع الإسمنت من مدينة الفحيص.
الأسلوب والحيثيات اللذان تمت بهما عملية الخصخصة وبيع حصة الحكومة، يثيران العديد من التساؤلات والاستفسارات حولها، وأغلبها موجود في تقرير لجنة تقييم التخاصية المنشور.
أولاً، بيع حصة الحكومة لشركة "لافارج" لم يخضع للمنافسة؛ إذ تم توقيع مذكرة تفاهم مع الشركة وبيعها لاحقاً.
ثانياً، لم تتم المصادقة على الاتفاقية من قبل مجلس الأمة، ما يثير شبة إن لم يكن مخالفة دستورية للمادة 117 من الدستور الأردني، والتي كما يبين القرار التفسيري رقم (1) لسنة 2013 الصادر عن المحكمة الدستورية، فإنه لا يجوز لأي جهة أخرى غير مجلس الأمة إقرار اي امتياز على المرافق العامة والمناجم والمعادن.
ثالثاً، الحكومة باعت حصتها مقابل 80 مليون دينار تقريباً، وأعطيت "لافارج" احتكاراً لصناعة الإسمنت لمدة عشر سنوات، استطاعت الشركة خلالها تحقيق أرباح تزيد على 375 مليون دينار؛ ليس فقط لزيادة الطلب على الإسمنت، وإنما لأنها رفعت الأسعار بنسبة كبيرة، وقلصت تكاليفها بعد تسريح ما يقارب ألفي عامل وموظف من الشركة.
رابعا، وقد يكون هذا الأهم بعد قرار الرحيل، هو أن الحكومة عندما باعت حصتها لشركة "لافارج" لم تقم بتحديد قيمة الأصول غير التشغيلية وإضافتها للقيمة النهائية للشركة. والحديث هنا عن الأراضي المملوكة من قبل الشركة وغير المستعملة في التشغيل أو التعدين. وبالتالي، جاءت قيمة ما حصلت عليه الحكومة أقل بكثير من القيمة الفعلية للشركة. وتقدر مساحة الأرض التي تملكها الشركة بـ2000 دونم. وهذه القضية الرئيسة في عملية رحيل الإسمنت.
هذه الأرض تم استملاك الجزء الأكبر منها لأغراض النفع العام، ويجب أن تكون انتهت ببيعها لشركة خاصة في حينه وبشكل مطلق الآن، إذ تفكر الشركة باستثمار هذه الأرض لغايات مختلفة عن تلك التي استملكت من أجلها. وهي تشكل ثروة كبيرة للشركة وفرصة ضائعة للحكومة والمجتمع المحلي، إذ تقدر قيمتها بما يقارب 200 مليون دينار بالحد الأدنى، والتي لا بد أن الشركة تُفكر باستثمارها كمشروعات عقارية بعد الرحيل.
إن الهدف من الخصخصة كان يجب أن يكون خدمة الاقتصاد الأردني وتنمية المجتمعات المحلية وليس فقط خدمة الشركات الدولية.
إن الحكومة الحالية مدينة لأهالي الفحيص وماحص والمناطق المحيطة كافة بوضعهم في صورة التطورات الحاصلة على هذا الموضوع. وهي معنية أيضاً بالمحافظة على حقوق المواطنين، وبخاصة أولئك الذين استملكت أراضيهم لأغراض النفع العام، والتي لم تعد قائمة بعد بيعها لشركة خاصة. كذلك، وقد يكون أكثر أهمية، أن الحكومة معنية بالتفكير ببدائل للاستثمار الخاص الذي تنوي الشركة الشروع به، وذلك من خلال إعادة التفاوض معها فيما يتعلق بالأصول. ولا بد من إشراك المجتمع المحلي في تقرير مستقبله.
لقد عانى أهالي المنطقة أكثر من ستين عاماً من التلوث والآثار الصحية السلبية لهذه الصناعة. ويجب أن لا يتحول رحيل المصنع إلى معاناة جديدة لهم.
(الغد 2016-01-28)