محاور خطبة الجمعة المقترحة : التكفير
المدينة نيوز - نشرت وزارة الاوقاف عناصر مقترحة لخطبة الجمعة بتاريخ 29/1/2016 ، والتي حملت عنوان : " أمة واحدة في مواجهة فتنة التكفير " .
وتاليا محاور الخطبة :
• وسم الله تعالى أمة الإسلام بأمة الخيرية فقال جلَّ وعلا : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) سورة آل عمران (110)، وحذّر الله تعالى هذه الأمة من أن تجرفها تيارات الفتنة والضلال والانحراف مما وقعت فيه الأمم السابقة ، حيث جاء ذلك في العديد من التوجيهات القرآنية الكريمة من مثل قوله تعالى: ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) ) سورة آل عمران ، إلا أن المتأمِّل في مسيرة الأمّة الإسلامية عبر تأريخها الطويل يجد أن هناك أنواعًا مِن الانحرافات الخطيرة التي مُنيت بها هذه الأمّة، غيرَ أنّ انحرافَ المفاهيم هو الخلاصة المرَّة التي آل إليها الانحرافُ التأريخيّ برُمَّته، فالانحراف الأخطرَ الذي أصيبت به أمّتُنا عبرَ التأريخ هو الانحرافُ في الأفكار والمفاهيم.
• بعث الله تعالى سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم ليخرج به الناس من ظلمات الكفر والشرك إلى نور التوحيد والإيمان ومن ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والهدى، قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) ) سورة المائدة ، وقال جل وعلا: ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) ) سورة آل عمران ، فإذا شرُف المرء بالإسلام ودخل في الإسلام فلا يجوز الحكم عليه بالخروج منه إلا بيقين جازم لا بالظنون والشكوك والأوهام والهوى الذي يحكم به الإنسان لمجرد هواه من غير بيّنة من ربِّ العالمين.
• إذا كانت النصوص الشرعية تحرم سب المسلم وتحرم قذفه وتحرم السخرية منه ولعنه فكيف بإخراجه من دائرة الإسلام فذاك أعظم خطراً وأشد، ولذا جاءت النصوص من الكتاب والسنة تحرم إطلاق الكفر على المسلم بمجرد الظن والهوى بغير علم وتمنع من ذلك حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه ولا بد أن يُبَيَّن للمسلم أضرار التكفير وأخطاره وضوابطه وكيف علاج هذه الظاهرة ، ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه ) رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي .
• إن نصوص الكتاب والسنة جاءت باحترام أعراض المسلمين واحترام دين المسلمين حتى يكون المسلم على بصيرة من أمره قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}، فنهاهم أن يطلقوا الكفر على من أظهر الإسلام حتى يتبين حقيقة الأمر، فإن من أعلن إسلامه وجب علينا قبول إسلامه والحكم عليه بالإسلام.
• والرسول صلى الله عليه وسلم منع المسلم من إطلاق الكفر بمجرد الهوى والظنون، ففي الصحيحين عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رمى رجل رجلاً بالكفر فقد باء بها أحدهما فإن لم يكن كذلك فقد رجع عليه )، وعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رمى رجلا بالكفر أو الفسق وليس كذلك إلا ارتد عليه)، وأخبر أن لعن المؤمن كقتله، وأن تكفيره كقتله، فليحذر المسلم من ذلك، قال أسامة بن زيد رضي الله عنه خرجنا في سرية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فصبحنا الحرقة من جهينة فأتيت رجلا فقال لا إله إلا الله فطعنته فكان في نفسي، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: (أبعدما قال لا إله إلا الله قتلته)، قلت يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح قال: (هلا شققت عن قلبه، كيف لك بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة)، قال فما زاال يؤنبني حتى تمنيت أني لم أسلم إلا في ذلك اليوم.
• التكفير ضرره كبير على الفرد وعلى الجماعة المسلمة وعلى الإسلام عموماً، فضرره على الفرد إذا حكمت عليه بالكفر فمعناه أنك حكمت بردته، وحكمت عليه بالخلود في النار، وفرقت بينه وبين امرأته، ولم تجعل له ولاية على أولاده، ولا ميراث له، ولا تصلي عليه، ولا تدفنه في مقابر المسلمين، ولا يجوز التوارث بينه وبين أبناءه وزوجته لأنك حكمت عليه بالكفر فيترتب على هذا الحكم أمور كثيرة فكيف ترضاها أيها المسلم بلا دليل ولا روية، إن ذلك خطر عظيم، ثم إنك إذا واجهته بالكفر من قبل أن تدعوه إلى الله تقنطه من رحمة الله وتجعله يصر ويعاند ولا يقبل منك ما تدعوه إليه، وأما ضرره على الجماعة المسلمة فإنه يشتت الكلمة ويفرق الصف ويغرس العداوة والبغضاء في النفوس ويخالف ما دعت الشريعة إليه من التعاون والتآلف والتناصر وإصلاح الأخطاء وتقويم ما اعوج من السلوك ويغلق باب التناصح والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، إذ الداعي إلى الله لا يهمه التكفير وإنما مبدأه الإصلاح.
• ليس أشدّ ضراوةً على الأمة وعلى استِقرار الديار من اختِلافِ الكلمة، وتنافُر القلوبِ، وتنازُع الآراء. فالوحدةُ سببُ كلِّ خيرٍ، والفُرقةُ والخلافُ سببُ كل شرٍّ. وإن من كمال الدين وكياسَة العقل وسلامةَ الفهم: ألا ينساقَ المرءُ مع من يُريد تصديعَ وحدة الأمة، لما قد يرَى من ظُلمٍ قد وقعَ، أو حقٍّ قد انتُقِص؛ لأن من فقدَ بعضَ حقِّه في حالَة الوحدة سيفقِدُ كل حقِّه إذا وقعَت الفُرقة معاذ الله، ولن يأمَن والله على نفسه، ولا على أهله، ولا على عِرضه ولا على ماله.
• لُزومُ الطاعة والتمسُّك بالجماعة ليس مُجاملةً، ولا مُمالأةً، ولا ضعفًا، ولا مُداهنةً، ولا مُعاوَضةً، ولكنَّه والله من أجل الحِفاظ على الدين، وعلى الأمة، وعلى الأمن والاستِقرار، وعلى الأهل والأنفُس، قال صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميرِه ما يكرَه فليصبِر؛ فإن من فارقَ الجماعةَ شبرًا فماتَ ماتَ ميتةً جاهليَّةً) متفق عليه.
• قد استطاع بلدنا الأردن بحمد الله وفضله أن يحقق أمنه واستقراره، وأن يكون مضرب المثل في حضارته ونهضته، وأن يحقق العديد من المكتسبات، وأن يواجه العديد من الأزمات حتى بات حصنا منيعا ووطنا شامخا، وما كان ذلك ليتحقق إلا بإيمانه بالله الواحد الأحد وبحكمة قيادته ووعي شعبه وصدق ولائهم وانتمائهم لوطنهم النابع من تمسكهم بدينهم واعتزازهم بحضارة أمتهم . فالوطن هو مهوى الفؤاد وذكريات الإنسان ودار الآباء والأجداد وحب الوطن في قلب الانسان قضية فطرية انسانية اجتماعية لا يختلف عليها اثنان وقد جاء الايمان والإسلام لصقل هذا الحب وتجذيره وربطه بالأجر والثواب باعتباره طاعة يتقرب بها الى الله تعالى .. وحب الوطن لا يتنافى مع الايمان بل يتجذر ويتعمق مع الايمان ويزداد متانة ويرتقي من حب التراب والطين الى حب وطاعة لرب العالمين ، والإنسان بحبه لوطنه انما يتأسى بسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال عند خروجه من مكة مهاجراً : ( والله إنك لأحب بلاد الله الى الله وأنت أحب البلاد إليَّ ولولا ان قومي أخرجوني لم أخرج منك أبداً).
الخطبة الثانية :
انطلاقاً من قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104) ) سورة آل عمران ، وقياما بواجب الدعوة والذود عن الدين الإسلامي الحنيف ؛ في الوقت الذي ظهرت فيه فئات تريد تشويه صورته المشرقة وتنفير الناس من دين الله تعالى بممارسات سلبية وأعمال بغيضة من قتل وتدمير وسفك للدماء وتكفير ومحاربة للمجتمعات ، انبرت جماعة عمان لحوارات المستقبل التي تضم مجموعة من أبناء الأردن العاملين بهمة عالية وشعور بالمسؤولية من خلال مبادرة أطلقتها في رحاب الوطن عنوانها : " أمة واحدة في مواجهة فتنة التكفير " ، فحملت على عاتقها أن تعلن للجميع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف ومقاصده الحكيمة من وسطية واعتدال وتسامح ووحدة الكلمة واجتماع الصف ونبذ العنف والغلو والتطرف والإرهاب ، وتقدم هذه المبادرة نماذج وبرامج عملية تتحقق من خلالها هذه الأهداف السامية ، في بيان صحيح الإسلام والحفاظ على وحدة الأمة وخيريتها ، ومن هنا فإننا ندعو أبناء أردن العزة والكرامة والرباط إلى الالتفاف حول هذه المبادرة وتقديم الدعم المتواصل لها ، والعمل على نشر وتعميم أهدافها بين جميع فئات وأبناء ومؤسسات الوطن ، سائلين الله تعالى أن يحفظ علينا بلدنا الأردن عزيزا كريما معطاء آمنا مستقرا سخاء رخاء وسائر بلادنا العربية والإسلامية .