رائحة حرب جديدة

تم نشره الجمعة 29 كانون الثّاني / يناير 2016 01:10 صباحاً
رائحة حرب جديدة
كمال بالهادي

لماذا صرّح نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأن الولايات المتحدة مستعدة للحل العسكري في سوريا، في حال فشل حلّ المفاوضات؟ و لماذا كانت اسطنبول هي قاعدة التصريحات الأمريكية المتشددة؟ ثم لماذا أعاد جون كيري فتح ملف إيران وتهديدها لدول الجوار؟

تزامن تصريحات نائب الرئيس الأمريكي، مع تصريحات وزير الخارجية وتصدّر وزير الدفاع المشهد الإعلامي بالحديث عن استعداد بلاده لحسم المعركة في سوريا والعراق عسكرياً، يعكس قراراً أمريكياً لا يمكن أن يكون وليد اللحظة، بل هي تصريحات تأتي لتكشف عن خطّة تم إعدادها مسبقاً للتحرّك الفعلي على الأرض، بعد اتهامات من قبل حلفاء واشنطن وأصدقائها بتخاذلها في التعامل مع قضية تمدد تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا والعراق. الولايات المتحدة يبدو أنها باتت تشعر بانفلات الوضع في منطقة الشرق الأوسط، وربما أدركت أن تأخر الحسم مع التنظيمات الإرهابية، سيكون له انعكاسات وخيمة خاصة على حليفتها الاستراتيجية وهي «إسرائيل».

حتى نكون على درجة من الوضوح، نقول إن الولايات المتحدة معنية بدرجة أولى، بضمان أمن «إسرائيل»، وهي عندما تشعر بأن الخطر أصبح يقترب من حليفتها لأنها لن تتأخر في توجيه أساطيلها المرابطة في البحر المتوسط و في المنطقة عموما لصد أي خطر محتمل. هنا يمكننا فهم تصريحات كبار المسؤولين في البيت الأبيض، ضمن هذا السياق، الذي سيتحكم في أي حركة عسكرية أمريكية في المنطقة. لكن السؤال الذي يمكن أن يطرح، يتعلق بمدى هذه العمليات؟ وبمدى جدية الولايات المتحدة في التورط في المستنقعين العراقي والسوري، بعد أن هربت «بجلدها» كما يقال من الرمضاء العراقية.

ثمة أكثر من عامل سيحدد جدية الولايات المتحدة من عدمها، في التدخل برّياً لحسم المعركة ضد تنظيم «داعش» والقضاء عليه. العامل الأول يتعلق بالتحدي الروسي في المنطقة والذي أصبح يمثل رقماً صعباً خاصة أن الغريم الروسي استطاع أن يجد له حلفاء، وهو يقدم لهم الدعم العسكري الذي يريدونه، ويتقدم خطوات كثيرة في مستوى كسب ثقة الرأي العام العربي عموما، كطرف دولي مدافع عن قضايا المنطقة. ومن هذا المنطلق فإن الولايات المتحدة ستحاول أن تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، في خطتها الجديدة. فهي تريد أن تضمن نهائياً إبعاد خطر «داعش» عن «إسرائيل»، وهي تحاول أن تقدم رسالة للدول العربية في الشرق الأوسط أنها لم تتخل عنهم، وهي تريد أن تبلغ موسكو رسالة واضحة مفادها أن واشنطن لا تترك مكانها لأحد، حتى وإن تأخرت في التدخل.

العامل الثاني الذي سيتحكم في هذه العملية العسكرية المرتقبة، هو قدرة حلفاء واشنطن على المضي قدماً في هذه المغامرة، إلى نهايتها، رغم المخاطر المحفوفة التي تنذر بحرب قد تتسع رقعتها إلى ما أبعد من المواجهة مع تنظيم «داعش». أما العامل الثالث فيتعلق بسيناريوهات هذا التدخل، وباحتمال التصادم مع المعسكر المقابل ونعني به المعسكر الروسي وحلفاءه. أما العامل الثالث فيتعلق بمستقبل العملية السياسية في سوريا، فالمسؤولون الأمريكيون يتحدثون عن احتمال تدخل بري في سوريا والعراق إذا ما فشلت مفاوضات السلام المنتظرة.

الولايات المتحدة أعلنت عن إرسال قوات من وحدات النخبة، إلى العراق لتعمل ضمن القوات البرية التي تستعد للزحف على مدينة الموصل عاصمة تنظيم «داعش». وهذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها واشنطن عن مشاركة قوات برية في الحرب على التنظيم الإرهابي. ومثل هذا الإعلان هو بمثابة ورطة لواشنطن، لأنها لن تقدر على التراجع عن هذه الخطوة. وفي المقابل يسعى المحور الروسي إلى فرض سياسة الأمر الواقع من دمشق إلى طهران، فالحملات العسكرية التي شنها الطيران الروسي في الأشهر الماضية، قد وجهت ضربات قاصمة للتنظيم، وحدت كثيراً من حركته، بل إن تقارير أمريكية تتحدث عن أن تلك الضربات قد أضعفت التنظيم الذي حيّر العالم. ولهذا فلن تقبل موسكو أن تأتي واشنطن في نهاية الطريق وتنفرد بقطف ثمار الحرب على «داعش». لأن من سيقود عملية النصر في هذه الحرب المرتقبة سيكون له شأن كبير في إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. وسيكون له الشأن في قيادة السفينة وفي التحكم فيها.

الحرب على التنظيم الإرهابي أصبحت ضرورة ملحة، بالنسبة لجميع دول العالم، لأن خطر التخريب والدمار صار يهدد الدول القريبة والبعيدة على حد سواء. وعليه فمن المفترض أن تكون عملية القضاء على هذا التنظيم أولوية مطلقة بالنسبة للجميع. فليست المسألة مجرد تنافس بين أقطاب ومحاور، بل إن الأصل هو التوحد من أجل القضاء على تنظيم أخطبوطي، استطاع التمدد والاستقواء مستغلاً الخلافات الدولية ومستغلاً التناقضات التي عطلت أي تحرك جمعي فعال ضدّه.

لكن هل يكفي ضرب «داعش» في الرقة و في الموصل للتخلص من خطره؟ لا يبدو أن اقتصار العملية العسكرية في سوريا والعراق، سيحقق الأهداف المطلوبة. لأن التنظيم أعلن منذ أكثر من سنة أنه أصبح تنظيماً دولياً وتمدد فعلياً في أكثر من منطقة وفي أكثر من جغرافيا معقدة. فهل تُحارب «داعش» في الرقة وتُترك تتمدد في سرت؟ أليس التنظيم واحداً هنا وهناك؟ ثم ماذا عن التقارير التي تتحدث عن أن «الخليفة» قد وصل فعلاً إلى سرت التي ينوي أن ينقل معركته منها إلى دول الجوار؟ لا يمكن محاربة «داعش» في منطقة والتغاضي عن تناميها في بلد مثل ليبيا. وإذا كان لابدّ من معركة حاسمة في الموصل و في الرقة فإن الجغرافيا تعطي سرت الأفضلية والأسبقية باعتبارها منطقة سهلة التضاريس ومنفتحة بحراً وجواً على كل الأساطيل. الحديث عن الحسم مع «داعش» عسكرياً، يستوجب قراءة جيدة لخريطة انتشاره، حتى يسهل القضاء على بؤره. وأي تدخل عسكري لا يكون ذا طابع شمولي فإنه لن يقضي على الخطر وسيكون مجرّد تنافس بين القوى العظمى، واستعراض للعضلات العسكرية.

(المصدر: الخليج 2016-01-29)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات